العراق.. ساحة صراع مفتوحة

03:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أحمد سيد أحمد

يواجه العراق تحديات متزايدة وعواصف عديدة، في ظل ارتفاع منسوب السخونة والتوتر على الساحة السياسية والأمنية. وقد ارتفع منسوب المخاطر بشكل مفاجئ إثر إقدام الطائرات الأمريكية المسيرة على اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني ومعه نائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد.ومن ثم الرد الإيراني الذي استهدف قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق.
مع استمرار الجدل حول مطالب الحراك في الشارع السياسي بتغيير النخبة السياسية الحاكمة وتعيين رئيس وزراء جديد مستقل بدل عادل عبد المهدي، وتعثر عملية الاختيار بعد رفض الرئيس برهم صالح ثلاثة ترشيحات من كتلة البناء في البرلمان، باعتبار أنها لا تلقى قبول الشارع العراقي، ما أدى لإطالة أمد التفاعلات السياسية وتصاعد احتمالات حدوث فراغ سياسي، زاد منسوب التوتر في البلاد بعد الأحداث التي شهدتها وتقودها لمسار جديد مع قيام الولايات المتحدة بقصف موقع لكتائب حزب الله العراقي في مدينة القائم في غرب البلاد، رداً على استهداف مقاول مدني أمريكي متعاقد مع القوات الأمريكية في إحدى القواعد العسكرية، ثم زاد منسوب السخونة بعد اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، في إطار ما اعتبرته واشنطن رداً على محالات اقتحام السفارة الأمريكية في بغداد، حيث حمّل الرئيس ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، سليماني وبعض قادة الحشد الشعبي، المسؤولية عن الاقتحام، ورغم تراجع الحشود من أمام السفارة، إلا أن واشنطن قامت باغتيال سليماني والمهندس في خطوة ستلقي بظلالها الكثيفة على المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص.

تداعيات خطيرة

اغتيال سليماني وأبو المهدي المهندس يمثل تحولاً كبيراً وخطيراً، ويحمل تداعيات خطيرة عديدة على عدة مستويات:
*أولاً: مستوى العلاقات العراقية الأمريكية، حيث أفضت عملية اغتيال أحد قادة الحشد الشعبي إلى تزايد حالة من الغضب داخل الحشد وداخل قطاعات عديدة في الشارع العراقي، وهددت كتائب حزب الله العراقي، باستهداف المصالح الأمريكية، كما أمر زعيم تكتل «سائرون» مقتدى الصدر باستئناف أنشطة جيش المهدي، ما ينذر باحتمالات حدوث مواجهات بين بعض فصائل الحشد الشعبي والقوات الأمريكية المتمركزة في العديد من القواعد العسكرية العراقية، خاصة بعد قيام الولايات المتحدة بتصنيف «كتائب عصائب أهل الحق» منظمة إرهابية، بعد أن صنفت في السابق «حركة النجباء» أيضاً منظمة إرهابية، كما وجهت واشنطن اتهامات وتهديدات ل «كتائب حزب الله العراقي»، ما قد يعيد أجواء عام 2005 وتزايد الأنشطة العراقية المقاومة للقوات الأمريكية، وفي ذات السياق تصاعدت حدة الغضب لدى النخبة السياسية العراقية، التي اعتبرت اغتيال سليماني والمهندس بعد خروجهما من مطار بغداد انتهاكاً للسيادة العراقية، ومن ثم تزايدت الدعوات لإقرار تشريع من البرلمان ينهي التواجد العسكري الأمريكي في العراق،وهو ما حصل. وهو ما يشير إلى أن واشنطن ستقاوم دعوات الخروج من العراق، كما أنها تسعى لتوسيع نفوذها وتواجدها هناك.
*ثانياً: على مستوى العلاقات الأمريكية - الإيرانية: يعد استهداف الولايات المتحدة قاسم سليماني، تغييراً جديداً في قواعد الاشتباك بينها وبين إيران ومحاولة إدارة ترامب إيصال رسالة حازمة بأن واشنطن لن تسمح بتجاوز ما أسمته الخطوط الحمر، وهي استهداف المصالح الأمريكية المباشرة، سواء أفراد أو منشآت دبلوماسية وعسكرية، وهذا يعني أن العراق قد يتحول لساحة رئيسية للحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران.

تبادل تحديد الأهداف

فمن ناحية هددت طهران على لسان العديد من مسؤوليها السياسيين والأمنيين، بالانتقام لمقتل سليماني، واتخاذ رد قوي ضد أمريكا ومصالحها في المنطقة، وأعلنت عن 35 هدفاً أمريكياً سيطالها الرد، ومن ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة، أعلنت في المقابل عن 52 هدفاً إيرانياً، سيتم ضربها إذا ما قامت إيران باستهداف المصالح أو الجنود الأمريكيين، كما أعلنت صراحة عن استهداف بعض الميليشيات العراقية، خاصة فصائل الحشد الشعبي، وهذا التصعيد في الحرب بالوكالة، يمثل أيضاً تهديداً كبيراً للدولة وللشعب العراقي.

بين المطرقة والسندان

يرزح العراق، الآن، بين مطرقة الضغوط الداخلية والحراك السياسي المستمر في الشارع العراقي، وصعوبات اختيار رئيس وزراء جديد توافقي، يحظى بقبول المحتجين، وسندان التوتر الأمريكي - الإيراني، واحتمالات تحول العراق إلى ساحة للمواجهة بينهما، ما يزيد من حجم التهديدات والضغوط، سواء على النخبة السياسية أو الشارع العراقي، إضافة إلى التداعيات السلبية على التنمية والاستثمارات في البلاد وتزايد الانقسامات السياسية، سواء فيما يتعلق بالتغيير السياسي مع مقاومة الطبقة السياسية للتخلي عن مكتسباتها في المعادلة السياسية، وتمسكها بتعيين رئيس وزراء من داخلها، أو فيما يتعلق بالمواجهة الأمريكية - الإيرانية، حيث تؤيد بعض الفصائل العراقية اتخاذ مواقف مشددة تجاه الوجود العسكري الأمريكي، سواء باستهداف تلك القوات أو إخراجها بشكل كامل من العراق، بينما تعتبر بعض القوى السياسية أن استمرار وجود التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق مهم في هذه المرحلة لمنع عودة تنظيم داعش الإرهابي مرة أخرى.
والواقع أن عدم ضبط النفس وتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، سيكون له تداعيات خطيرة ليس على العراق فقط، بل على الأمن والاستقرار في المنطقة، التي لا تتحمل نشوب حرب شاملة بين أمريكا وإيران تأكل معها الأخضر واليابس، ولذلك من المهم أن تلتزم الأطراف المختلفة بضبط النفس، وعدم التصعيد أو تجنب اتخاذ أية إجراءات من شأنها أن تشعل شرارة الحرب، وأن يكون هناك نزوع نحو الاعتماد على الحوار والتفاهم. كما أن خروج العراق من مأزقه يتطلب عدم استخدام أمريكا وإيران الساحة العراقية لحرب بالوكالة بينهما، وأن تتوقف كل التدخلات الخارجية في العراق، وكذلك إخراج القوات الأجنبية، وفي الوقت ذاته أن يكون هناك حوار وطني عراقي للخروج من حالة الانسداد السياسي الحالية، وتغليب مصلحة العراق العليا على أية اعتبارات أخرى، وأن يتم الإسراع بتعيين رئيس وزراء جديد لتشكيل حكومة عراقية من التكنوقراط، قادرة على قيادة البلاد نحو بر الأمان، والحرص على الحفاظ على وحدة وسيادة العراق وتعزيز الدولة الوطنية العراقية وقصر السلاح فقط في أيدى الجيش الوطني.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"