عادي

«أدب الرسائـل» فـي عصـر الوسائط الحديثـة

01:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
الهنوف
الهاشمي
معتوق
محمد نور
محسن

الشارقة:  علاء الدين محمود

يعد أدب الرسائل نوعاً من الإبداع الجمالي والفكري الذي كان يجد قبولاً كبيراً بين القرّاء، وقد نالت العديد من الخطابات والمراسلات المتبادلة بين أديب وآخر شهرة كبيرة على مستوى العالم؛ بل إن الكثير من القرّاء قد حفظوا عن ظهر قلب مقاطع منها؛ وذلك لقيمتها الفنية والجمالية والفلسفية العالية، فمن منا لا يذكر تلك القطع الأدبية الجميلة التي كان يبعثها الرسام العبقري فان جوخ إلى شقيقه ثيو، والتي تضمنت أوجاعه وشكواه ومناجاته إلى أخيه والذي كان أحب الناس إليه، ومن من القرّاء لا يذكر رسائل فرانز كافكا، التي كان يرسلها إلى حبيبته ميلينا، وهي سفر في أدب المناجاة وبث الشكوى؟، وكذلك رسائل فيودور دوستويفسكي، التي كان يبثها لزوجته المتوفاة، ولئن اشتهر هذا الأديب الكبير بروايات فلسفية شديدة العمق، فإن رسائله لزوجته في الغياب قد تميزت بالحكمة والحب والغوص في الجوانب النفسية. وقد عرف العالم العربي هذا النوع من الأدب عبر رسائل شهيرة كتلك التي جرت بين الأديبين جبران خليل جبران ومي زيادة، وبين غسان كنفاني وغادة السمان، ولئن تراجع أدب الرسائل في عصرنا الحالي، فإن الكثيرين يتوقعون عودته مرة أخرى عبر الثورة الكبيرة في تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال، وما أفرزته من أدوات تواصل حديثة بين الناس، فربما مراسلات الأدباء والشعراء فيما بينهم، تجد يوماً ما طريقها إلى القرّاء عبر نشرها في مؤلفات وكتب ورقية أو إلكترونية.

«الخليج»، وضعت قضية أدب الرسائل في عصرنا الحديث، التي يتم تبادلها عبر الوسائط الحديثة مثل «ماسنجر»، «واتس أب»، وغيرها من تطبيقات تعنى بخدمة الرسائل، أمام عدد من الأدباء والشعراء؛ للتعرف إلى تجاربهم ورؤيتهم لمستقبل الرسائل المتبادلة بينهم. 

الشاعر إبراهيم الهاشمي، أشار إلى أهمية تلك الرسائل المتبادلة بين الأدباء عبر الوسائط الحديثة، وذكر أنه يحرص على حفظ الرسائل التي تجري بينه وبين أصدقائه الشعراء والكتّاب، وأوضح: إن الكثير من تلك الكتابات لها قيمة جمالية ومعرفية، وحتى المواد المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي هي ذات قيمة كبيرة، وربما تتحول إلى أدب منشور.

وأكد الهاشمي أن التكنولوجيا الحديثة أسهمت بصورة رائعة في عملية تبادل الرسائل وحفظها، وهذا يعني أن الأدب قد استفاد من التطور في وسائل التواصل الاجتماعي، فالكثير من الأدباء يضمنون أحاديثهم مع بعضهم البعض شعراً ونثراً؛ بل إن هنالك «جروبات»؛ أي مجموعات على «الواتس أب»، هي عبارة عن تجمع كبير للكتّاب، يتم خلالها طرح القضايا والأفكار، التي ستكون ذات قيمة وفائدة كبيرة إذا طرحت للقرّاء.

 كنوز أدبية

القاص محسن سليمان، ذكر أن مرور الوقت هو عامل مهم في إضفاء قيمة على الرسائل المتبادلة بين الأدباء، فحتى الإهداءات التي كتبها بعضهم بخط يده صارت كنزاً أدبياً وجمالياً، وصارت أدباً قائماً بذاته، بالتالي فإن الرسائل بين الشعراء والفنانين وبقية المبدعين سيكون لها قيمتها في المستقبل، خاصة تلك التي تحمل أفكاراً عميقة، وهذا ما يؤكده الإقبال الكبير على رسائل الأدباء العالميين، والتي كشفت عن جوانب كثيرة من شخصياتهم وحياتهم.

وأشار سليمان إلى أن معظم الرسائل ذات القيمة الفكرية والجمالية والتي تتصف بالعمق، هي تلك التي ترد عبر البريد الإلكتروني، أما الأخرى التي ترد عبر الماسنجر فهي في معظمها ذات صيغة خبرية، ولا تشكل قيمة أدبية، وأوضح: إن الحديث، بصورة جادة، عن إمكانية تحول تلك الرسائل إلى مؤلفات وكتب، ما يزال مبكراً، ولكن أهمية الوسائط الحديثة تتمثل في حفظ تلك الرسائل والمواد المتبادلة بين الأدباء.

تجارب حية

من جانبه، ذكر الشاعر محمود نور أن عملية نشر الرسائل التي يتبادلها الأدباء قد حدثت بالفعل، وأشار إلى تجربة مجموعة من الكتّاب الإماراتيين، ضمهم مجموعة على «الواتس أب»، تبادلوا خلالها الأفكار والرؤى والأشعار والكتابات، وتحولت رسائلهم الجماعية تلك إلى مادة؛ بل إلى مواد أدبية طبعت في كتب ونشرت.

وكشف نور عن تجارب شخصية له في أدب المراسلات، حتى قبل تطور أدوات التواصل بصورة كبيرة، فقد كان يتبادل الرسائل النصية عبر الهاتف التقليدي مع الأديب أحمد الكبيسي، وهي مراسلات كتبا فيها أدباً وشعراً، واتفقا على أن تطبع في كتاب مستقبلاً.

وذكر نور أن المواد والكتابات التي ينشرها المبدعون اليوم ربما لا يشعر الناس بقيمتها الآن؛ لكن مع مضي الوقت سيلتفتون إليها، وربما تتحول إلى مؤلفات وكتب.

تعابير حركية

بدورها استعادت الهنوف محمد، رئيسة مجلس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات نائبة الأمين العام للاتحاد العام لكتّاب العرب، تاريخاً من الرسائل التي جرت في الماضي بين الأدباء، أو بين أدباء وأشخاص عاديين، وهي رسائل ذات مضامين متعددة صارت فيما بعد ذات قيمة أدبية وفكرية كبيرة، وعملت دور النشر على الاعتناء بها ونشرها، ولاقت رواجاً كبيراً بين الناس، وذكرت الهنوف، أن ذلك عينه ما سيحدث مع الرسائل المتبادلة بين المبدعين في زمن التكنلوجيا الحديثة؛ حيث ستصبح فيما بعد أدباً يلقى صدى بين الناس.

وأوضحت الهنوف أن قيمة الرسائل التي يبثها الأدباء والمبدعون، تكمن في أنها تكشف عن الوجه الآخر للأديب، ومن شأنها أن تصنع الصورة الواقعية والحقيقية له.

وأكدت الهنوف أن تلك الرسائل، ستصبح مادة للنقاد والباحثين؛ حيث سيعملون على تحليلها وتفسير الكثير من جوانبها، فمن الميزات الجيدة للتكنولوجيا الحديثة، أنها وفرت إمكانية الرسائل الصوتية، وكذلك التعبير عبر «الإيموشنات»؛ أي التعابير الحركية، وهذا أمر مهم في تفسير الجوانب النفسية المتعلقة بتلك الرسائل.

ترفيه وتسلية

غير أن الشاعر كريم معتوق، ذهب في اتجاه مختلف، عندما قلل من أهمية الرسائل عبر الوسائط الحديثة، وذكر أن وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة يطغى عليها الجانب الترفيهي والخبري، وحتى «المجموعات» الأدبية المتخصصة، لا يوجد فيها أي نشاط أدبي أو فكري.

وأكد معتوق أن الثقافة مقرها هو الكتاب، ولم تعد الرسائل فناً أو أدباً كما كان في السابق، وربما كانت رسائل غسان كنفاني، وغادة السمان، وخليل جبران ومي زيادة، هي آخر منتوج جمالي بقيمة إبداعية؛ حيث إن رسائل الأدباء في العصر الراهن، هي من أجل تبادل وجهات النظر، فالكتابة عبر الهاتف لا تساعد الأديب على إنتاج شيء بقيمة أدبية.

ولفت معتوق إلى أن معظم الأدباء صاروا ينسحبون من تلك المجاميع؛ لأنهم غير قادرين على تقديم منتج ثري ومفيد فيها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"