عادي

كتّاب يهربون من فخاخ الملل

20:22 مساء
قراءة 4 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود

يفرض عصرنا الراهن، والذي يتسم بالسرعة وانصراف الناس إلى مشاغلهم الحياتية اليومية، روحه على كل شيء من حولنا، بما في ذلك المعارف والقراءة والاطلاع، وهذا الأمر يتطلب من الكتاب، خاصة في مجال السرد والإبداع الروائي، أن يركزوا على عوامل الجذب منذ بداية العمل، حتى لا يتسرب الملل إلى القارئ فيتركه إلى آخر، حيث صار من المهم أن تتضمن مداخل وبدايات العمل السردي في القصة والرواية قدراً من التشويق والإثارة، حتى لا يتركه القارئ ويذهب إلى غيره، والواقع أن هناك الكثير من التقنيات والألعاب السردية التي يمكن أن تقود إلى صناعة بداية مختلفة تثير اهتمام المتلقي وتجعله ينهمك في القراءة إلى النهاية. 
«الخليج»، طرحت تلك القضية على كتاب تحدثوا عن تجربتهم، وعن ضرورة صناعة مدخل مختلف للعمل السردي.
الكاتبة عائشة عبد الله، أكدت أهمية أن تكون بداية العمل السردي جذابة، وهناك عدد من «التكنيكات»، والأدوات التي يمكن أن تقود إلى ذلك، مثل: الانطلاق من موقف مدهش، أو اعتماد البداية على مغامرة، أو مفارقة تتسلسل منها الأحداث، أو التركيز على نقطة معينة من الأحداث وتركيز ضوء كثيف عليها، بحيث يأتي الأسلوب السردي نفسه يحمل طابع الإثارة من دون الوقوع في فخاخ التبسيط والابتذال، فمن الحلول التي يمكن أن يلجأ إليها الكاتب هي أن يقلب تسلسل الأحداث نفسها بحيث تأتي النهاية، مثلاً، في مكان البداية، ومن ثم تبدأ الأحداث، أو أن تكون نقطة البداية هي عبارة عن مشهد حدث في الماضي «فلاش باك»، ومن ثم يتم التصعيد والبناء الدرامي، وذلك أسلوب مميز وممارس بكثرة في العصر الحالي.
وذكرت عبد الله أنها في كتابتها القصصية بصورة خاصة، تلجأ أحياناً إلى الصدمة؛ أي صناعة موقف أو صورة أو مشهد صادم، لكن ذلك يأتي وفقاً لطبيعة العمل نفسه، فهي تكتب القصة كاملة ثم تعمل على تقسيمها، وتؤكد عبد الله أهمية مسألة التشويق، لأن تلك هي طبيعة العمل الإبداعي، فهو يعتمد في بنيته الجمالية على المتعة والإثارة والتشويق.

تجريب مستمر

الكاتبة الروائية آن الصافي، ذكرت أن المجتمعات تتعرض بالفعل لنقلات ومتغيرات في غاية السرعة في العصر الراهن، وهذا الأمر يفرض نفسه بقوة على السرد باعتباره يعبر عن المجتمع ووقائعه اليومية، بالتالي هو يلامس المتغيرات والمشاكل التي تطرأ، وتشير الصافي إلى ضرورة أن تكون بداية العمل الروائي جاذبة في كل الأحوال، سواء أن كانت كلاسيكية أو حديثة، غير أن التجريب المستمر على صعيد الكتابة السردية قد أحدث تحولاً كبيراً في قضية البناء الدرامي من حيث البداية والتصاعد والنهاية.
وأوضحت الصافي أن قضية السرعة والتحولات العصرية، هي من صميم مشروع الكتابة للمستقبل، الذي تشتغل عليه، والذي يؤكد أن بداية أو مطلع أي عمل سردي لابد أن يكون لافتاً وجاذباً، ويعتمد على تقنيات في السرد لم يألفها القارئ؛ بمعنى أن يقوم المؤلف بمفاجأة المتلقي، وهذا ما يفعله السرد الحديث، خاصة أن الأعمال الإبداعية بصورة عامة يحكمها التنافس الآن، فنجد أن هناك اتجاهاً نحو التجويد في الأعمال الدرامية والكتابية والسينمائية من أجل الفوز برضا ومتابعة المتلقي.
 ولفتت الصافي إلى أن القارئ لا يستمر في قراءة العمل السردي إن لم يشعر بالتشويق، بالتالي فإن فكرة العمل نفسه يجب أن يتوافر فيها ما يحرك مشاعر وأحاسيس وذهن المتلقي للتعاطي معها، وهناك استفادة وتوظيف من قبل الكتّاب أنفسهم لتقنيات الجذب في السينما والدراما في العمل الروائي أو القصصي، بالتالي فإن أمام الكتّاب تحدياً كبيراً يتمثل في ضرورة تحليهم بالثقافة الموسوعية والعلمية من أجل النجاح في كتابة ممتعة وجذابة.

أزمة التعقيد 

الكاتب صالح كرامة، يرى أن كلمة السر تكمن في البساطة والتلقائية، ويؤكد ضرورة أن تكون بداية أي عمل سردي خالية من التعقيدات، ولابد من تكثيف الحدث عند مدخل الرواية أو القصة، وهناك ضرورة لكي يلجأ الكاتب إلى مداخل مختلفة من أجل دفع القارئ للهاث وراء الأحداث منذ البداية وحتى النهاية.
وأوضح كرامة أن من العيوب الكبيرة لدى بعض الكتاب، خاصة في العالم العربي، الهروب من تلقائية الحدث، والذهاب إلى الألغاز والغموض، أو الاهتمام بصناعة الجمل الشعرية الساحرة، والبهرجة التي ربما تخفي عيوب الفكرة، فالكاتب الذي يريد أن يوصل المعنى أو الرسالة لابد أن يجعل محور اهتمامه هو البناء السردي الذي يعلي من شأن المضمون وليست الزخارف والمحسنات البلاغية والتعقيدات اللغوية.
وشدد كرامة على أن التخلي عن البساطة والواقعية، تؤدي في فخ الملل، فالقارئ عندما لا يفهم منذ البداية ماذا يريد أن يقول الكاتب، وإلى أين تتجه الأحداث في العمل السردي، فإنه ببساطة يترك القراءة، أو يؤجلها، وهذا خلل كبير في بنية السرد وليس في القارئ، ويستعيد كرامة مقولة الكاتب الروسي الكبير أنطون تشيخوف، والذي يدعو إلى ضرورة أن يأتي العمل السردي بسيطاً ومؤثراً عندما يقول: «أكتب مثلما تتكلم»، ويرى كرامة أن تلك المقولة تشير إلى أن وظيفة السرد الأساسية هي التعبير عن المجتمع في يومياته ومشاهده وصوره ووقائعه، بالتالي لابد أن تكون التلقائية حاضرة في السرد، ويجب أن تكون عوامل الجذب والتشويق متوفرة منذ مدخل العمل القصصي والروائي.
ولفت كرامة إلى أن أبرز مشاكل الكتّاب العرب هو ابتعادهم عن الحدث والهم والواقع الاجتماعي، فمعظمهم يعجز عن الغوص في قضايا المجتمع ورصد الواقع في تحولاته، وبالتالي يذهبون إلى التعقيد والكتابة الغريبة التي ينفر منها القارئ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"