ماذا بعد انتخابات الكونغرس النصفية؟

04:12 صباحا
قراءة 4 دقائق
د . غسان العزي
كما كان متوقعاً، فاز الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي وبات يسيطر عليه، بغرفتيه، للمرة الأولى منذ العام 2006 . وفي الحقيقة كانت النتيجة معروفة سلفاً ليس فقط لأن شعبية الرئيس الديمقراطي أوباما وصلت إلى نحو الأربعين في المئة عموماً مع استطلاعات للرأي غير محبذة لطريقة إدارته لغير ملف في السياستين الخارجية والداخلية، ولكن أيضاً لأن الانتخابات النصفية غالباً ما لا تكون مؤاتية لساكن البيت الأبيض . فالرئيس ريغان، في عز صعوده العام 1986 فشل في منع الديمقراطيين من السيطرة على الكونغرس، تماماً كما الرئيس ترومان في العام 1950 أو الرئيس جورج بوش الابن الذي فقد السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ في العام 2006 أو الرئيس أوباما نفسه الذي فاز في الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية العام 2012 رغم تراجع حزبه في الانتخابات النصفية العام 2010 .
لم تثر هذه الانتخابات اهتمام الناخبين الذين توجه أربعون في المئة منهم فقط إلى صناديق الاقتراع . وكانت استطلاعات "مركز بيو" للبحث قد بينت أن فقط 51 في المئة من الناخبين تابعوا الحملات الانتخابية و46 في المئة منهم عبروا عن عدم اكتراثهم بها، الأمر الذي دفع "واشنطن بوست" إلى عنونة إحدى افتتاحياتها "الناس كلهم غير مبالين بهذه الانتخابات" . وينبغي التذكير بأن هذه الظاهرة طبيعية بسبب عدم ثقة الأمريكيين بالسلطة التشريعية التي نادراً ما يخرج من صفوفها رئيس البلاد، وأوباما ينتمي إلى هذا الاستثناء .
ركّز الجمهوريون حملتهم على إخافة الناخبين من مخاطر ثلاثة رئيسية: الإرهاب الإسلامي ومرض "إيبولا" والهجرة غير الشرعية، مطالبين بالتشدد في مراقبة الحدود مع المكسيك والتي منها تدخل هذه المخاطر . كذلك كال الجمهوريون الانتقادات لإصلاحات أوباما في المجال الصحي (أوباماكير) والمالي ومشكلة الديون الفيدرالية والعدد الكبير من القوانين غير المجدية .
لكن الحقيقة أن الاوضاع الاقتصادية والمالية تحسنت في عهد أوباما، بحسب الأرقام الرسمية التي تكذب ادعاءات الجمهوريين والتي نشرتها "واشنطن بوست" . فالبطالة انخفضت إلى ما دون عتبة الستة في المئة والنمو زاد إلى 5 .3 في المئة كما تراجع العجز الخزيني واستفاد ملايين الأمريكيين من "أوباماكير" . وبدورها تراجعت الهجرة غير الشرعية من 6 .1 مليون العام 2000 إلى 500 ألف العام الماضي، كما زاد عدد الذين سيقوا خارج الأراضي الأمريكية من المهاجرين غير الشرعيين، في السنتين المنصرمتين، على عددهم في حقبة جورج بوش التي امتدت لثماني سنوات .
لكن المشكلة أن الطبقات الفقيرة والمتوسطة لم تشعر بتحسن المؤشرات الاقتصادية إذ إن مستويات المعيشة والقدرات الشرائية لهذه الطبقات لا تزال في المستوى الذي كانت عليه في العام 1987 بحسب دراسة نشرها المكتب الوطني للبحث الاقتصادي في الشهر المنصرم . وبذلك يكون الأغنياء فقط هم الذين استفادوا من التحسن الاقتصادي .
مسائل السياسة الخارجية كانت هامشية في الحملات الانتخابية، وهذا أيضاً أمر طبيعي يتكرر في الدول الصناعية المتقدمة . رغم ذلك فمن المتوقع أن تتأثر السياسة الخارجية الأمريكية مباشرة بنتيجة هذه الانتخابات النصفية . والملف الإيراني هو أول المرشحين في هذا المجال، إذ إن الحزب الجمهوري يرفض طريقة إدارة بوش للمفاوضات وللاتفاق المتوقع مع إيران . وقد سبق لمجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون أن صوت لمزيد من العقوبات في العام الماضي . فقط زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوغ هاري ريد منع التصويت لمصلحة العقوبات حماية للمفاوضات الجارية مع طهران . لكن الكونغرس الذي أضحى جمهورياً لا بد أن يسارع إلى عرقلة هذه المفاوضات، ما سوف يكون له تأثير بالغ في مجريات الأحداث في الشرق الأوسط . كذلك من الأرجح أن يعمد إلى التصويت على قوانين تتيح المزيد من تسليح وتدريب المعارضة السورية .
ومن المتوقع أن تتأثر المفاوضات التجارية الجارية مع أوروبا والصين لاسيما إذا أقر الكونغرس بيع أجهزة ومعدات إلى تايوان . كما قد يعيد الاعتبار إلى الميزانية الدفاعية ويقر قانوناً يجيز حرباً طويلة جديدة ضد "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق . وربما تتم إعادة النظر في الوجود الأمريكي في أفغانستان وحتى في الاستراتيجية الأمريكية لجهة عودة الجنود الأمريكيين إلى ساحات القتال . لكن من المشكوك فيه أن تتحمل أغلبية جمهورية مثل هذه المسؤولية عشية الانتخابات الرئاسية المزمعة في العام 2016 .
بالطبع يتمتع الرئيس أوباما بصلاحيات للدفاع عن سياساته وقراراته لاسيما وأن الجمهوريين لا يملكون نسبة الثلثين في الكونغرس . لكنهم على الأرجح سوف يعمدون إلى إقرار المزيد من القوانين التي يعارضها لدفعه إلى استخدام حق النقض (الفيتو) وإظهاره كمعرقل لعمل الكونغرس المنتخب من الشعب . لكن ينبغي أيضاً ألا يغيب عن البال واقع الخلافات القائمة بين الجمهوريين أنفسهم وتأثير جناحهم المتطرف المتمثل بحزب الشاي على استراتيجية الحزب .
لذلك من المرجح أن يمارس الجمهوريون معارضة شاملة ودائمة لأوباما مع التركيز على القضايا والفضائح (مثل هيلاري كلينتون وبنغازي أو تحرير الجندي الامريكي برغدال عبر التفاوض مع طالبان . . .) وأن يحاول المرشحون للرئاسة منهم، أمثال ماركو ريبيو وتد كروز وراند بول، على معارضة الديمقراطيين وإحراجهم أكثر من تقديم بدائل ذات صدقية .
وفي كل الأحوال يتفق المراقبون على أن العلاقة بين الحزبين ستتجه إلى المزيد من التعقيد والعرقلة وصولاً ربما إلى شلل مؤسساتي سبق وخبره الأمريكيون في مطلع العام الجاري، ما سيؤثر سلباً في هيبة القوة الأعظم وموقعها في النظام الدولي .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"