صفقة ترامب - نتنياهو

02:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

حسب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإنه من المنتظر أن تعلن خطة السلام الأمريكية خلال ساعات. ومن المنتظر أن يطير رئيس حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو إلى واشنطن كي يطلع رسمياً على الخطة المعروفة ب«صفقة القرن». وسوف يفعل ذلك أيضاً منافسه زعيم حزب «أزرق أبيض» بيني جانتس. وكانت مصادر عديدة متطابقة داخل الأوساط الإسرائيلية قد ذكرت أن نتنياهو على اطلاع مسبق وكامل على الخطة، التي سبق أن أرجئ الإعلان غير مرة، وآخرها مع إجراء الانتخابات الإسرائيلية لمرتين منذ إبريل الماضي. وبالإعلان المنتظر عن الخطة يكون ترامب قد أوفى بوعده بإطلاقها، وقبل وقت قصير نسبياً من إطلاق حملته الانتخابية رسمياً للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر من هذا العام. ولكن السؤال الكبير المرتسم: هل توفي هذه الإدارة بمقتضيات سلام يستحق اسمه، وفقاً للشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي، ولمرتكزات التوافق الذي استقرت عليه أغلبية دول العالم تجاه مبادئ الحل؟
تفيد جميع الدلائل بأن الخطة هي ثمرة تفاهم أمريكي - «إسرائيلي»، يعود إلى بداية ولاية الرئيس الحالي ترامب وفي أثناء تولي نتنياهو رئاسة الحكومة الأكثر يمينية والأشد تطرفاً في تل أبيب. وقد جرت صياغة الخطة في أجواء عداء مُعلن من طرف إدارة ترامب للجانب الفلسطيني ولحقوق الفلسطينيين في أرضهم، مثل شرعنة الاحتلال وتقديم مكافآت سخية للمحتلين، مع فرض ضغوط شرسة ومتتابعة على الطرف الرازح تحت الاحتلال منذ أزيد من نصف قرن.
في هذه الأجواء من العداء السافر للجانب الفلسطيني والتماهي الكامل مع مطامع اليمين «الإسرائيلي»، جرى التحضير للصفقة من طرف أركان الإدارة. وكما في كل شأن بشري فإن المقدمات تشي بالنتائج وتقود إليها، وليس ممكناً بداهة في ظل هذا الاختلال الفادح في الرؤية والمقاربات، أن يتم الخلوص إلى رؤية سياسية تتمتع بحد أدنى من الصدقية والنزاهة. ومنذ انتشار أنباء الصفقة وملامحها الأولى، فإن الأطراف الدولية عبّرت بصيغ مختلفة عن تشاؤمها الشديد من أن تمنح هذه الصفقة فرصة للسلام الذي طال انتظاره. وأبدت مثل هذه التحفظات القوية أطراف إقليمية معنية بمسار الصراع والتسوية، مثل الطرف الأردني الذي تربطه علاقات تاريخية وثيقة بالولايات المتحدة. غير أن هذه الاعتراضات لم تُثن أركان إدارة ترامب عن التمسك بالخلل الذي يحكم رؤيتهم. ولم ترشح أي تصريحات أو مواقف تفيد باستعداد الإدارة لمراجعة بنود الخطة ومشتملاتها كافة، في ضوء الملاحظات التي أبدتها أطراف إقليمية ودولية صديقة لواشنطن. وحافظت الإدارة على أقصى قدر من الممالأة للاحتلال، حين تطوع وزير الخارجية مايك بومبيو للإعلان بأن الغزو الاستيطاني للأراضي المحتلة لا يمثل مخالفة للقانون الدولي.
لقد تم وضع الخطة بمعزل عن المجتمع الدولي وعن مبادئ الأمم المتحدة وقراراتها ذات العلاقة، وهي بذلك تفتح صفحة جديدة في سجل تمرد سياسات الدول الكبرى عن المواثيق الدولية، وخروجها السافر عن هذه المواثيق. وهو ما يشكل بيئة مواتية للفوضى غير الخلاقة، وأرضية مناسبة لازدهار التطرف بمختلف منوعاته ابتداء من التطرف الصهيوني الذي يعتبر العنصرية وإنكار حقوق الآخرين واجباً وطنياً «مقدساً» وعملاً سيادياً مزعوماً، والذي يسهر على إغلاق الأبواب في وجه العدالة وتصحيح الخطايا المقترفة تباعاً ومن غير توقف منذ نحو قرن مضى بأحد شعوب الشرق الأوسط.
وغني عن القول في هذا المعرض: إن الجانبين الأمريكي و«الإسرائيلي» نفذا بالتشارك والتعاضد المتبادل البنود الرئيسية للخطة قبل الإعلان عنها، بما يتعلق بالقدس والاستيطان واللاجئين، ولن تضيف الخطة جديداً سوى في إطالة أمد الصراع وإضفاء المزيد من التعقيد عليه، والتضحية بآمال الاستقرار والسلام، إرضاءً لحفنة من المتطرفين الموتورين في تل أبيب، وبأمل أن يعزز هذا السلوك من فرص ترامب في التمتع بولاية ثانية بدعم من اللوبي الصهيوني وبقية المجموعات السياسية التي تضع مصالح تل أبيب فوق وقبل المصالح الوطنية الأمريكية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"