هل التراويح جماعة بدعة؟

03:01 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

كنت أتابع حلقة تلفزية، وكان اللقاء مع فلان المعروف بثقافته وكان يتحدث عن صلاة التراويح المختلف على إقامتها في جماعة وفي المساجد وبركعات معينة، فلفت نظري موقف المتحدث من إقامتها جماعة في المساجد وفي رمضان، وقال عن نفسه إنه لا يصليها لأنها بدعة استحدثت بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال عمر عنها بأنها بدعة؛ لكنها حسنة.
أقول: إنني لا أوافق من يقول ببدعية صلاة التراويح، وأن عمر استحدثها، كلا فالرسول صلى الله عليه وسلم صلاها ابتداء، ولما رأى الناس يصلون خلفه دخل منزله، وأخفض تراويحه عنهم؛ خشية أن تفرض عليهم.
إذن هي ليست بدعة عمر؛ لأنه أعاد ما فعله الرسول أولاً، وجمع الناس على إمام واحد بدلاً من عدة جماعات متفرقة.
وعلى افتراض أن عمر فعلها فعمر من الخلفاء الراشدين الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: «أوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي.... الحديث» يقول ابن عبد البر: «لم يسن عمر إلا ما رضيه صلى الله عليه وسلم، ولم يمنعه من المواظبة عليها إلا خشية أن تفرض على أمته، وكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً».
«ولما علم عمر ذلك من رسول الله، وعلم أن الفرائض لا يزاد فيها ولا ينقص منها بعد موته صلى الله عليه وسلم أقامها للناس وأحياها، وأمر بها».
ويقول ابن رجب الحنبلي: «المراد بقول عمر: نعمت البدعة، هذه البدعة اللغوية لا الشرعية».
نعم... إشكالية بعضهم هي حديث البخاري الذي رواه زيد بن ثابت أن «الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة، قال: حسبت إنه قال من حصير في رمضان، فصلى فيها ليالي، فصلى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم وقال: قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة». (رواه البخاري في كتاب الصلاة - باب صلاة الليل)
فهم بعضهم من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صلاة التراويح جماعة في المسجد لأنها قيام الليل يصليها الرجل في بيته.
وقالوا أيضاً: إن عمر فهم هذا أيضاً بدليل أنه قال: نعمت البدعة هذه، فهو ابتدعها إذن ثم أثنى على فعله.
لكننا نقرأ لابن الأثير أن البدعة نوعان: بدعة هدى وبدعة ضلال، فما كان خلاف ما أمر الله به ورسوله فهو في حيز الذم والإنكار.
وقال ابن الأثير: «وما فعله عمر رضي الله عنه داخل في حيز المدح؛ لذلك سماها بدعة؛ لكنه مدحها لأنها من أفعال الخير».
أقول: وتزول الإشكالية إذا نظرنا إلى الحديث الآخر في البخاري ومسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه ثلاث ليال، وفي الثالثة أو في الرابعة لم يصل، وقال: «إني خشيت أن تفرض عليكم».
هذا الحديث بيّن سبب عدم استمراره فيها جماعة، ولما زال هذا الخوف بموت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث انقطع الوحي، وزالت العلة كما يقول الشيخ ابن عثيمين، ثبت زوال المعلول، فعادت سنية التراويح. (انظر الشرح الممتع لابن عثيمين ج4 ص78)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"