وطن الكتاب

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

اليوم دورة جديدة من معرض الشارقة للكتاب. دورة هذا العام استثنائية بكل المقاييس، تأتي في ظل تتويج الشارقة عاصمة عالمية للكتاب، وبعد عامين من استضافة الشارقة وتكريمها في العديد من معارض الكتب الدولية الكبرى.
اليوم يشعر كل متابع لدورة حياة المعرض بالسعادة، ولكل مؤرخ لمشروع الشارقة الثقافي أن يحس بالفخر. المعرض بمثابة ابن لكل قارئ أو مثقف أو مفكر أو باحث عن المعرفة. ثمانية وثلاثون دورة والمعرض يكبر عاماً تلو الآخر.
في كل عام يزدهر المعرض وينمو وتتفتح فيه آمال جديدة وتطلعات تعانق السحاب. واكب المعرض رمزياً حياة الكثير من الكتّاب، الذين يتذكرون ذلك بشغف وحنين، عندما كانوا يزورون المعرض صغاراً مع ذويهم، يتجولون بين رفوف الكتب ويحلمون باليوم الذي يستطيعون فيه أن يجدوا لمؤلفاتهم مكاناً بين تلك الرفوف، تتعدد ذكرياتنا عن المعرض وابتكاراته المتوالية، وإحصاءاته التي تقفز مع كل موسم جديد، حتى تحول بذاته إلى كيان إبداعي وصل إلى مرحلة النضج من خلال عمل مؤسسي تقوم عليه هيئة الشارقة للكتاب بتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
اليوم بإمكاننا أن نتجول في ذلك الكيان الإبداعي الذي يكتسب فرادته من أبعاد عدة، أولاً من صاحب السمو حاكم الشارقة، الذي يعتبره جميع المثقفين العرب بمثابة الأب الحنون الداعم لكل فعل يثمر الخير ويبقى في الأرض، ولا يوجد فعل أكثر إثماراً أو خلوداً من رعاية الكتب، التي من دونها يفقد البشر آدميتهم، وتفقد الحضارة أهم منجزاتها. ثانياً يكتسب المعرض فرادته الإبداعية من المكان.. من هنا.. من الشارقة التي أصبحت علامة ودلالة على مختلف أوجه الفعل الثقافي.. المسرح.. التشكيل.. التراث.. إلخ، ولكن يبقى الكتاب في القلب وفي الوجدان وفي العقل، يبقى أثر الكتاب ومفعوله أبرز هذه الوجوه ودعامتها في الوقت نفسه، يبقى الكتاب حارس الحضارة، وحافظ حزمة من القيم لا تبدأ من ترويج المعرفة ولا تنتهي ببناء الإنسان على أسس سليمة مروراً بتربية النشء وإشاعة مناخ من الحوار البنّاء والتسامح بين البشر، يبقى الكتاب مدار الفكر والفعل، من هنا كان الكتاب دوماً الهدف المركزي في مشروع الشارقة الثقافي، ولذلك تحول الاهتمام بالكتاب إلى فرادة إبداعية تستحق الدراسة والتأمل.
يكتسب المعرض إبداعه ثالثاً من دقة التنظيم، وتعدد أهدافه، بين بيع الكتب، وصفقات الناشرين وندوات المثقفين، وفعاليات الطفل والأسرة وجوائز المبدعين، فمعرض الشارقة للكتاب لا يسعى إلى هدف واحد، وإنما هناك رؤية شاملة ورغبة لافتة في الوصول إلى الجميع، ولذلك فالجميع ينتظرونه حتى أولئك الذين لا علاقة لهم بالكتب، ففعاليات المعرض فرصة للتثقيف وأيضاً للترفيه، وساحة مفتوحة للمثقف ومن يذهب لكي يشاهد عرضاً مسرحياً أو يصطحب أطفاله في نزهة، أو هو بمعنى أدق ساحة تأخذ في الاعتبار الثقافة بمفهومها الأوسع والأكثر تأثيراً في مختلف شرائح المجتمع.
يكتسب المعرض فرادته رابعاً من نجاحاته المتوالية، الواضحة لكل متابع، ومن جمهوره الذي يتزايد دورة بعد أخرى، ومن تحوله إلى قبلة تتطلع إليها أفئدة عشاق الكتاب.
اليوم نحن في حضرة الدورة الثامنة والثلاثين من كيان إبداعي ضخم يسمى معرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي يحل تقريباً في منتصف عام الاحتفال بالشارقة عاصمة عالمية للكتاب، أي أننا في حضرة معرض ناضج وفي قلب الاحتفالية، ولذلك أكثر من معنى ثقافي ورمزحضاري. ولكن ونحن نفتش في المعنى والرمز، على كل منا أن يعمل من أجل مزيد من النجاح للمعرض، ومن أجل أن تبقى الشارقة عاصمة ليس للكتاب أو الثقافة وحسب، ولكن لكي تظل عاصمة دائمة للقلوب.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"