«خطة القرن» تصطدم بموقف فلسطيني موحد

03:32 صباحا
قراءة 4 دقائق

حلمي موسى


تواصل الإدارة الأمريكية، ومن دون تردد، محاولاتها للي ذراع الفلسطينيين وإخضاعهم لإملاءاتها، خدمة لمصالحها مع «إسرائيل». وكانت آخر إجراءاتها بهذا الشأن، إزالة تسمية «أراضي السلطة الفلسطينية» من خرائطها لإلغاء اسم فلسطين، بما يتناسب مع مشروع الإلغاء الصهيوني لفلسطين أرضاً وشعباً. وتتناسب خطوات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع خطوات اليمين «الإسرائيلي» الحاكم الذي سعى في العقود الأخيرة لفرض أمر واقع استيطاني يمنع حل الدولتين، بما يخالف كل قرارات الشرعية الدولية.
أكدت الرئاسة الفلسطينية أن حذف الخارجية الأمريكية كل إشارة إلى فلسطين من خريطتها لدول المنطقة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، هو تجسيد لأفكار اليمين «الإسرائيلي». وأوضح الناطق باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، أن هذه الخطوة «تتساوق مع أفكار اليمين «الإسرائيلي» المتطرف»، وتمثل «انحداراً غير مسبوق في السياسة الخارجية الأمريكية». واعتبر أن هذه الخطوة تندرج في إطار «مسلسل المحاولات اليائسة لشطب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني»، والتي بدأت بوقفها استخدام مصطلح «الأراضي الفلسطينية»، مروراً بوقف استخدام مصطلح «الأراضي المحتلة»، وصولاً إلى هذه الخطوة المستهجنة والمدانة والمرفوضة».
كما أن وزارة الخارجية الفلسطينية رأت أن «الإدارة الأمريكية الحالية تنفذ الرؤية «الإسرائيلية» بتدمير حل الدولتين والهروب من استحقاقاته، وشطب الذاكرة الجمعية الدولية المتصلة بالاحتلال ومحاولة «تبييض» اسم «إسرائيل» من الاحتلال وتبعاته القانونية. وشددت هي الأخرى على أن «ما قامت به الخارجية الأمريكية يظهر اعتناقها هذه الرؤية وانسياقها معها بالكامل».
وواضح أن الخطوة الأمريكية استمرار لخطوات أخرى بدأت منذ الإعلان عن إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة الأمريكية، وتواصلت بوقف تمويل نشاطات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). ولم تكتف إدارة ترامب بذلك؛ بل إنها عمدت منذ اليوم الأول لتسلم مهامها، إلى تعيين ممثلين لها أقرب إلى اليمين «الإسرائيلي» المتطرف منهم إلى أي جهة أخرى، لرسم سياستها تجاه المنطقة. وهكذا شطب السفير الأمريكي في «إسرائيل»، ديفيد فريدمان، أي حظر على الاستيطان وجسد قرار نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس.
وعمد المبعوث الأمريكي لشؤون السلام جايسون جرينبلات، إلى إلغاء مفهوم «الأرض المحتلة»، وتحميل الفلسطينيين ذنب الاعتداء على الاحتلال. وبعدها جاءت قرارات قطع المعونات عن السلطة الفلسطينية، والتضييق عليها في المحافل الدولية بسبب إعلانها رفض «صفقة القرن».

درع حماية لـ«إسرائيل»

وتشجع الإدارة الأمريكية مخططات حكومة الاحتلال لتهويد القدس ونيل اعتراف دولي بذلك، عبر تحفيزها عدداً من الحكومات الموالية لها، على نقل سفارتها إلى القدس والتضييق على السلطة الفلسطينية. ولم تعد إدارة ترامب تكتفي بتوفير درع حماية ل«إسرائيل» في المحافل الدولية؛ بل صارت تحث حلفاءها على تسهيل مهمة الكيان دولياً.
وفي المقابل تتنافس الأحزاب «الإسرائيلية»، خصوصاً اليمينية، فيما بينها على عرض برامج سياسية ترمي إلى شطب القضية الفلسطينية، والقضاء على السلطة الفلسطينية. وتعمل أحزاب مختلفة ليس فقط على تشجيع الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية؛ وإنما أيضاً على تهجير الفلسطينيين وإبعادهم عن وطنهم ومنع قيام دولة خاصة بهم. وتمارس حكومة «إسرائيل» سياسات التضييق على السلطة الفلسطينية، بقصد خلق أوضاع تجعل العيش في الأراضي الفلسطينية صعباً ومستحيلاً.
ومن المهم الإشارة إلى أن إدارة ترامب وحكومة نتنياهو لا تُخفيان أهدافهما من وراء حملة التضييق على الفلسطينيين. وتقولان صراحة، إن على الفلسطينيين الانصياع للمقترحات التي ينوي ترامب عرضها، والتي أظهر بعضاً من جوانبها عبر بالونات اختبار ورسائل ضمنية تم إيصالها عبر وسطاء. وكان جلياً أن المقترحات الأمريكية تستند إلى أسس مناقضة لأسس الشرعية الدولية ومعارضة لمبادئها.
فإدارة ترامب، ومنذ اللحظة الأولى، رفضت اعتبار حل الدولتين مبدأ يمكن التعامل معه، وجعلت بذلك الأمر مفتوحاً على حلول أخرى. كما أنها بادرت علناً إلى سياسة إزالة قضايا الحل النهائي عن الطاولة، واحدة تلو الأخرى، بشطب مسألة اللاجئين وحق العودة والاعتراف بالقدس عاصمة حصرية ل«إسرائيل»، وشطبت مفهوم حدود 1967.
وفي الشكل تحاول إدارة ترامب إدارة سياستها تجاه القضية الفلسطينية بطريقة توحي بأن على الفلسطينيين الاكتفاء بحقوق فردية واقتصادية، والابتعاد على الحقوق السيادية والسياسية الوطنية. وترى أن ما لا يمكن تحقيقه بالمفاوضات، يمكن شراؤه بالأموال؛ ولذلك فإن خطة ترامب التي هي وفق تقارير «إسرائيلية»، تستند إلى أفكار نتنياهو ومفكرين «إسرائيليين»، لا ترمي إلى وضع أسس للتفاوض وإنما إلى التنفيذ.
كما أن رفضها يعني تشجيع المحتل على تنفيذ سياسته الخاصة من دون قيود.

اشتراطات وإملاءات

وتفضح إدارة ترامب نفسها عندما تربط بين عرض الجانب السياسي من «صفقة القرن»، وبين الانتخابات في «إسرائيل»؛ إذ إن الغاية الأساسية منها توفير فرص نجاح لليمين «الإسرائيلي» بقيادة نتنياهو أكثر منها تحقيق السلام العادل. ولا يهم ترامب أصلاً مصير الشعب الفلسطيني ولا حقوقه.
وعلى الرغم من تحقيق ترامب لبعض النجاحات الجزئية في دفع بعض الحكومات للمشاركة في التضييق على الفلسطينيين، فإن وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة صفقة القرن تفسد على ترامب ونتنياهو فرحتهما. وقد تم تأجيل عرض الصفقة مراراً بدوافع عديدة أبرزها تقلبات السياسة الداخلية في الكيان وإعادة الانتخابات، ولكن أيضاً بسبب الرفض الفلسطيني والعربي الواسع.
في كل حال من الجلي أن ترامب الذي لم يخف تطلعه لنيل لقب «ملك إسرائيل» لدى أنصاره الشعبويين، لا يريد سوى إشباع غرائزه الفكرية المتطرفة. فالسلام ليس غايته، وإنما مجرد وسيلة وغطاء يتدثر به لصالح مفهوم أشاع بعض أنصاره أنه ينطلق فيه من رسالة إلهية، ولكن الشعب الفلسطيني المصر على نيل حقوقه بدعم من إخوته وأنصاره، مستعد للصمود على طريق تحقيق أهدافه الوطنية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"