الاعتراف بالحقيقة والسير عكسها

02:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

بمناسبة مضي ربع قرن على المعاهدة الأردنية «الإسرائيلية» خاطب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الكنيست، قائلاً: إن «المصالحة مع الأردن ومصر ليست كاملة»، واعترف بأن السبب في ذلك يعود إلى الموقف من القضية الفلسطينية.
وقد تزامنت هذه المناسبة مع استعادة الأردن لأراضيه في الباقورة والغمر شمال وجنوب البلاد، بعد مناورات «إسرائيلية» لتمديد العمل باستئجار هذه الأراضي. وقد خيّم هذا الحدث على أجواء هذه الذكرى وعلى واقع العلاقات بين الجانبين. حيث يبدي الطرف الآخر تشاؤمه من واقع هذه العلاقة. وهو ما ألقى ظلالاً على صورة نتنياهو الذي لم ينجح في الحفاظ على أرض الغير في عُهدة حكومته. إضافة إلى ملفات الفساد بحقّه التي ما زالت مفتوحة. وقد جاء العدوان الأخير على قطاع غزة في هذا السياق.
وبينما يعترف نتنياهو بأن بقاء القضية الفلسطينية بغير حل، يعيق المصالحة مع الأردن ومصر، إلا أنه بغطرسته المعهودة، رفض الالتزام بإزالة هذا العائق، ووضع القضية على طريق الحل قائلاً: إن الضفة الغربية ليست قطاع غزة، الذي تم الانسحاب «الإسرائيلي» منه في عام 2005، مع الإبقاء على الحصار البحري والجوي والبري على القطاع. وبدلاً من إزالة العائق، فقد عمد الرجل إلى إطلاق فذلكة حول ما أسماه «السلام مع الديكتاتوريات، والسلام مع الديمقراطيات»، مُحتسباً احتلاله لأراضي الغير آية من آيات الديمقراطية.
وفي واقع الحال أن تقادم الزمن لم يرفع ذاك العائق. ولن يرفعه مستقبلاً، ما دام واقع الجريمة قائماً. وقد أسهم نتنياهو من جانبه في تعميق هذا العائق عبر محاولته الترويج إلى أن الاحتلال أمر واقع يستحق الاعتراف به، بدلاً من السعي لإرساء السلام الذي يضمن الأمن الجميع، ويضع حداً لمناخ الكراهية والتطرف. و باستثناء الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، فإن المجتمع الدولي يرفض مباركة شرعة الغاب التي يروّج لها هذا الرجل.
وكان الأردن قد رفض إقامة احتفال بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين على المعاهدة، وهو ما اضطر الجانب الآخر لإقامة احتفال مُصغر وخاص به في الكنيست. ويمثل الموقف الأردني رسالة واضحة وقوية مفادها أن السلام يكتنفه نقص جوهري ببقاء القضية الفلسطينية بغير حل عادل. ويُذكر هنا أن توقيع المعاهدة جاء لاحقاً لتوقيع إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) في عام 1993، وهذا الإعلان كان مؤقتاً، ويتضمن التفاوض على الوضع النهائي بعد مضي خمس سنوات على توقيعه، إلا أن الجانب الآخر تنكر للاتفاق، وواصل الغزو الاستيطاني ومحاولات فرض الأمر الواقع بالقوة العارية الغاشمة. وهو ما أبقى السلام بارداً ورمادياً مع الأردن ومصر. ومن دون أن يحظى بأي قبول شعبي، وهو ما يعترف به الطرف الآخر، ولكن من دون استخلاص العبر الصحيحة، والسعي للعمل بمقتضاها.
وليس بعيداً عن هذه الأجواء، فقد ووجه الاحتلال قبل أيام برفض قاطع لمخططاته في تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، وهي إحدى وكالات الأمم المتحدة، وذلك في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لتمديد عمل هذه الوكالة لأربع سنوات لاحقة، وقد صوتت 170 دولة مع تجديد تفويض عمل الوكالة، في حين رفضت دولتان فقط هما أمريكا والدولة العبرية، فيما امتنعت سبع دول عن التصويت. ويمثل هذا التصويت استفتاء دولياً على أهمية معالجة آثار نكبة عام 1948 التي تسبب بها نشوء الدولة العبرية على أرض فلسطين في ذلك التاريخ. ومغزى ذلك أن ما يسميه نتنياهو عائق القضية الفلسطينية ما زال قائماً، ليس لدى الجانب العربي فحسب، بل في وعي العالم بأسره الذي يرفض شرعنة جريمة استئصال شعب والاستيلاء على وطنه، حتى لو تم التعامل مع الأمر الواقع.
لقد احتفل الأردنيون على نطاق واسع رسمياً وشعبياً باستعادة أراضيهم باعتبارها مناسبة وطنية عزيزة وغالية، أما ذكرى المعاهدة، فقد مرت نسياً منسياً، ليس عن إغفال لها، ولكن للقناعة بأنها لم تؤدِ إلى سلام حقيقي. وبالنظر إلى الترابط الوثيق تاريخياً وجغرافياً وديموغرافياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً بين الأردن وفلسطين، فمن الطبيعي أن يتأثر الأردن بصورة مباشرة وعميقة بغياب السلام عن فلسطين وشعبها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"