عادي

روسيا و«الناتو».. عداء ممتد

01:23 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

د. نورهان الشيخ*

حدد اللورد إسماي، أول أمين عام لحلف شمال الأطلسى (الناتو)، أهداف الحلف بثلاثة أساسية، كان أولها «إبعاد الروس عن أوروبا»، باعتبار موسكو التهديد الرئيسي للحلف. ورغم مرور سبعة عقود على ذلك وتفكك الاتحاد السوفييتي، فإن عقيدة الحلف لم تشهد تغيراً فى هذا الخصوص.

في الأول من ديسمبر (كانون الأول) قدم الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرج، في المؤتمر الإفتراضى لوزراء خارجية الحلف تقريراً بعنوان «الناتو - 2030: الوحدة في عصر جديد»، اعتبر فيه روسيا التهديد العسكري الرئيسي للحلف، مستنداً فى ذلك إلى استمرار «سياساتها العنيدة وأعمالها العدوانية» ومشيرا إلى ما اعتبره «عدوان موسكو» على أوكرانيا وجورجيا. كما أشار التقرير إلى «التأثير السلبي على أمن المنطقة الأوروبية الأطلسية» لأعمال روسيا النشطة في البحر الأسود وبحر البلطيق، وفي القطب الشمالي وشرق البحر المتوسط. يزيد من مخاوف الحلف أن التقرير المذكور اعتبر الصين، الشريك الاستراتيجى الأول لروسيا، العدو العسكري الثاني للحلف، بعد روسيا، خلال السنوات العشر المقبلة. ومن ثم فقد اعتبر التقرير أنه «من المرجح أن تظل روسيا على المدى الطويل، حتى عام 2030، التهديد العسكري الرئيسي لحلف شمال الأطلسي».

 يمكن تفسير هذا الموقف من جانب الناتو فى ضوء مجموعة من العوامل الاستراتيجية والمصلحية. أولها، محاولة استعادة تماسك الحلف واستمراره بعد الهزة التي أصابته والتصدعات بداخله نتيجة مواقف وتصريحات ترامب من ناحية، والظلال التى ألقتها أزمة كورونا على مصداقية التحالف الغربي بشكل عام فى وقت الأزمات من ناحية أخرى. فقد اتهمت بعض دول الحلف، وفي مقدمتها إيطاليا، واشنطن وحلفاءها بالتقاعص عن نجدتهم في وقت سارعت فيه موسكو وبكين بتقديم يد العون لهم. وبالتالي فهي فرصة سانحه لتوطيد أركان الحلف لاسيما مع توجه الرئيس الأمريكي المنتخب جون بايدن الذي اعتبر أن «روسيا تشكل أكبر تهديد للولايات المتحدة على الساحة الدولية»، وكأن التقرير في واقع الأمر هو بمثابة «صدى صوت» لما أعلنه بايدن وشعاره «أمريكا عائدة». وقد سارع الأمين العام للحلف إلى الاتصال هاتفياً ببايدن، وهنأه ووصفه بالمؤيد القوي للحلف، معبراً عن أمله فى تعزيز الروابط بين أمريكا وأوروبا، وتأكيد أهمية الحلف باعتباره حجر الزاوية للأمن المشترك.

 مخاوف أطلسية

 إن الحلف يحاول تجديد دمائه بالتأكيد تارة على التهديد الروسى، وأخرى على الارهاب، ويظل للأول الأسبقية فى قائمة التهديدات. فقد سبق وحذر ستولتنبرج من «ثمن باهظ» إذا سحب الحلفاء قواتهم من أفغانستان بأسرع مما ينبغي، وأن خطوات مماثلة قد تسمح لمقاتلي تنظيم «داعش» بإعادة تنظيم صفوفهم، وأن تصبح أفغانستان مرة أخرى منصة للإرهابيين الدوليين لتخطيط وتنظيم هجمات على دول الحلف، وذلك فى إشارة إلى قرار ترامب بخفض عدد القوات الأمريكية فى أفغانستان، مؤكداً أن الحلف لا ينوي سحب قواته من أفغانستان رغم القرار الأمريكى.

 ثانيها، وقف توجه أعضاء الحلف للحصول على منظومات نوعية روسية وتذكيرهم بأن موسكو مازالت عدو الحلف. فقد واجهت صفقة «إس 400» الروسية لتركيا معارضة وضغوطات شديدة من جانب واشنطن والناتو، إلا إن هذا لم يثن أنقرة عن اتمام الصفقة. وقامت اليونان بإجراء اختبارات تفعيل المنظومة الروسية «إس-300»، في ميدان «خانية» بجزيرة كريت الواقعة في شرق البحر المتوسط خلال الفترة بين 23 و27 نوفمبر. وكانت اليونان قد حصلت على المنظومة الروسية من قبرص، التي اشترتها ولم تتمكن من تفعيلها نتيجة التهديدات التركية، وهى عملية الإطلاق التدريبية الثانية التى تقوم بها أثينا وجاءت على خلفية التوترات القائمة بين اليونان وتركيا بسبب أنشطة أنقرة في شرق المتوسط، وإجراء تركيا عمليات إطلاق تدريبية من منظومات «إس-400». وكأن الرسالة أنه «لا يفل الحديد إلا الحديد»، وأن المنظومات الروسية هى فقط القادرة على صد بعضها البعض. 

 مواجهة مستمرة وواسعة

 ثالثها، التماس المباشر بين المجال الحيوى لروسيا والحلف على الأرض فى أوروبا، وفى بحر البلطيق والبحر الأسود والبحر المتوسط وحتى القطب الشمالى، مع الأخذ فى الاعتبار التناقض فى المواقف والأهداف بينهما، الأمر الذي يجعل الطرفين فى حالة مواجهة مستمرة حول مدى واسع من القضايا التى تمس صميم الأمن لكليهما، ويعزز من نظرة الحلف لموسكو كخصم رئيسي له طالما أنه غير قادر على التفوق العسكرى عليها، وتوجيه ضربة لروسيا دون التعرض لهجوم مضاد مؤلم من جانبها. وقد أشارت دراسة لمؤسسة «راند» للأبحاث السياسية نشرتها مجلة «فوربس»، أن دول الناتو، قررت لهذا السبب شراء 400 طائرة قتالية جديدة من طراز «إف-35» من الجيل الخامس كونها الطائرة الوحيدة القادرة على مواجهة روسيا في حال اندلاع نزاع مسلح في أوروبا، لكنها قد لا تكون كافية إذا اندلعت حرب مع روسيا، وأنه في الحالة الأخيرة ستظهر منذ البداية الشكوك في قدرة الناتو على نشر قوة جوية يمكنها تدمير الدفاع الجوي الروسي دون التعرض لهجوم مضاد.

من المعروف أن روسيا تعمل على تطوير قدراتها النووية وتقوم بإدخال منظومات متطورة حديثة لتعزيز قدراتها العسكرية مثل منظومة الصواريخ فرط الصوتية «أفانجارد»، وصواريخ «يارس» الاستراتيجية بعيدة المدى، وغواصة «بوري» من الجيل الجديد، بالإضافة إلى استمرار اختبارات صاروخ «سارمات» الباليستي العابر للقارات. ويثير ذلك مخاوف كثيرة لدى الناتو خاصة مع تداعى نظام الحد من التسلح ونزع السلاح عقب الانسحاب الأمريكي من معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى (INF) وما أعقبه من انسحاب روسى، وغموض مصير تجديد اتفاقية الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية («ستارت-3») التي بدأ سريانها في 5 فبراير 2011، وتنتهي مدتها في 5 فبراير المقبل.

فى هذا السياق، شكك الحلف في مصداقية المبادرة التي تقدم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 26 أكتوبر بشأن تجميد نشر الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا واستعداد روسيا للامتناع عن نشر صواريخها من نوع (9М729) في الجزء الأوروبي من البلاد في منطقة كالينينجراد بشرط قيام الناتو بخطوات مقابلة تشمل منظومات «إيجيس آشور» مع منصات الإطلاق (Mk-41) في القواعد التابعة للولايات المتحدة وحلف الناتو في أوروبا. 

 إن أزمة الثقة بين الناتو وروسيا أصبحت هيكلية فى العلاقة بينهما، وتتداخل العديد من العوامل الاستراتيجية والمصلحية التى تجعل من تجاوزها أمراً ليس باليسير، وليس فى المدى المنظور.

* أكاديمية وباحثة مصرية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"