الطابور

03:37 صباحا
قراءة دقيقتين
مارلين سلوم
تسمعها مرة، فتعيدها مرات. السحر فيها يعود إلى هذا العبق الذي نتحدث عنه دائماً وتكراراً وبلا ملل، عبق فن زمان، البسيط، الجميل، المنمق والخفيف.
«الطابور» أغنية جديدة لكنها حملت سحر ذلك الفن وروائحه الجميلة. كل السر فيها، أنها ارتدت زي الستينات، تجملت بألوانه وتقمصت روحه، فصارت صورة عن الماضي الجميل. لم تُعد إلى الأذهان المطربة الرائعة داليدا فقط، بل الفيديو بكل تفاصيله حتى أدقها، يعود بنا إلى بدايات التلفزيون الأولى والأسود والأبيض، والموضة بالشعر والأزياء، الحركات والأداء والفرقة الموسيقية والمذيع وطريقة التقديم والتصوير والصوت، والجمهور..
الأغنية للارا اسكندر، مميزة بكل ما فيها. أدتها بشكل جميل، تلوّن فيها الصوت وطبقاته وتموجاته صعوداً وهبوطاً، وتدللت بمخارج الحروف، فتماشت تماماً مع اللحن الذي اختاره الموزع الموسيقي اللبناني جان ماري رياشي من أرشيف داليدا لأشهر أغنياتها «بامبينو»، إنما بكلمات مختلفة تماماً كتبتها منة القيعي.
كان من الطبيعي أن يبحث الجمهور عن داليدا في لارا، وهذه أدت الأغنية بما يليق بصورة الفنانة العريقة والتي عرفت الشهرة الواسعة يوم أطلقت «بامبينو» عام 1956؛ علماً أن لتلك الأغنية حكاية، فهي تعود بالأصل إلى أغنية شعبية للإيطالي مارينو ماريني، لحنها فانشيولي، واسمها «طفل». حملها فيليب بوتيه الذي كان يعمل في شركة التسجيلات والصوتيات «باركلي»، من نابولي إلى فرنسا، مسنداً مهمة تأليف كلمات لها إلى جاك لارو، الذي جعل من «بامبينو» قطعة فنية تمزج بين الإيطالية والفرنسية، ولم يكن هناك أفضل من داليدا لتغنيها، فتحقق شهرة عالمية ونجاحاً منقطع النظير.
رياشي أعاد توزيع الأغنية بكثير من الحرص والعناية، يشكر عليهما، إذ نحتاج إلى هذه «الأمانة» في إعادة تجديد أرشيف «الكبار». فليست كل محاولة لتجديد أغاني صباح ووديع الصافي وأم كلثوم وعبد الحليم وشادية وطروب ونصري شمس الدين وغيرهم الكثير مما نسمعه ونشاهده اليوم، يليق بالفن الأصيل، أو يأتي على نفس مستوى نجاحه ورونقه وجماله.
«بامبينو» أغنية بسيطة الكلمات والمعاني، ومثلها «الطابور» كتبتها منة بما يتناسب مع الفكرة الرومانسية الهادئة الحالمة. وهو ما نحتاج إليه في هذا الوقت وفي كل وقت، فالأغنية إن لم تشعرك بالبهجة والراحة النفسية، وتعالجك من الاكتئاب وضغوط الحياة والهموم، فما الفائدة منها؟ تحتاج أغنية تخرج من «طابور» أغاني الضجيج التي تزيد من توترك، وتسبب الصداع في رأسك، وتستفز أعصابك وتحثك على الغضب والاستنفار.
مرحباً بتجديد أغاني زمان وألحان زمان، شرط توفر «الأمانة» في حمل تاريخ الفن العربي والعالمي لتقديمه بكل الجمال وعلى أطباق من الفضة للأجيال الجديدة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"