وقاحة المستعمر

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

رغم اختلافها في الشكل أحياناً، إلا أن القوى الاستعمارية لا تختلف في المضمون الذي يميز الاستعمار أياً كان نوعه، وأبرز معانيه الاستفادة من ثروات الآخرين وخيراتهم رغماً عنهم، وسرقة الشعوب بأي وسيلة.

 هذا الواقع هو ما تمثله التصرفات التركية الحالية في أكثر من منطقة؛ حيث تسعى إلى التدخل في شؤون الدول العربية، لأهداف استعمارية رخيصة، مستغلة الظروف الاستثنائية الحرجة التي تمر بها هذه الدول، متجاهلة تماماً مصالح الشعوب العربية، وحالمة بإعادة الإمبراطورية العثمانية على حساب العرب.

 لكن المفارقة أن تركيا باتت تمارس سياساتها العدوانية، في محاكاة واضحة للسياسة الأمريكية، التي يزعم راسموها بأن للولايات المتحدة ما تسميه مصالح حيوية لأمنها، في بلدان تبعد عنها آلاف الكيلومترات، مصالح تعتدي تحت يافطتها على الشعوب الأخرى من دون أي رادع.

 والحقيقة أن الزيارة التي قام بها وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى طرابلس الغرب، والتصريحات الاستفزازية التي أطلقها من فوق الأرض الليبية، تعكس المنطق الاستعماري التركي؛ حيث حذر الجيش الوطني الليبي من أن القوات التركية المحتلة ستعتبر الجيش الليبي أهدافاً مشروعة إذا حاول مهاجمة القوات التركية في غرب ليبيا، زاعماً أن قوات الجيش الليبي إذا أخذت مثل هذه الخطوة، فلن تجد مكاناً تهرب إليه.

 تصريحات أكار الاستفزازية جاءت بعد تحذيرات محقة أدلى بها خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، أعلن فيها أن الجيش الوطني الليبي يستعد لطرد المُحتل بالإيمان والإرادة والسلاح.

 ويبدو أن أكار الذي راح يطلق التهديدات نسي على ما يبدو أنه يتحدث من بلد يبعد عن بلاده أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، أو ما يقارب نحو ألف ومئتين وخمسين ميلاً بحرياً، ولا توجد أية حدود برية بين البلدين تبرر لأنقرة التدخل في هذا البلد تحت ذريعة أو أخرى.

لكن من تابع ويتابع السياسة التركية، سواء في ليبيا أو غيرها من الدول العربية، التي يمكن وصفها بالوقحة، يدرك الأهداف الحقيقية من وراء التصرفات التركية، وبشكل خاص الزيارة الاستفزازية التي قام بها أكار إلى طرابلس الغرب، وتفقّد خلالها القوات التركية المتواجدة هناك، لا سيما أن التفاصيل التي رافقت الزيارة تدل على أنها تأتي في إطار استعداد تركي مكشوف لتوتير الأجواء في هذا البلد، وعرقلة المساعي الرامية إلى التوصل لحل سياسي للأزمة الليبية، في إطار مخطط متكامل تسعى لتنفيذه بالتحالف مع جماعة «الإخوان المسلمين» المشبوهة، لا سيما أن هذه الزيارة تأتي في وقت أعلنت فيه الأمم المتحدة أن الفرقاء السياسيين في ليبيا توصلوا إلى اتفاق لإجراء الانتخابات الوطنية في ديسمبر/ كانون الأول 2021، ما يحيي الآمال في إنهاء سنوات من الصراع في البلاد.

 ورغم أن سياسة تركيا في ليبيا وشرق المتوسط لم تحقق بعد النتائج التي كان يأمل تحالف أردوغان الحاكم تحقيقها، إلا أنها تبدو في نظر الكثير من المراقبين محاولة من أردوغان لتصدير أزماته الداخلية إلى الخارج، إذا أخذنا بعين الاعتبار تنامي وتزايد الأصوات المعارضة لسياسة أردوغان في الشارع التركي، ناهيك عن أن التدخل العسكري التركي في هذه الصراعات الدائرة في الدول المجاورة أدى إلى تعزيز الآراء المناهضة لأردوغان في الغرب، وتوحيد صفوف عدد من الأطراف الفاعلة في مواجهة السياسات الأحادية التركية، خاصة مع توارد تقارير استخباراتية ووثائق مسربة نشرها موقع «نورديك مونيتور» السويدي مؤخراً، تؤكد العلاقة الوثيقة بين النظام التركي برئاسة رجب طيب أردوغان، وتنظيم «داعش» الإرهابي، وأن السبب الحقيقي وراء التفجيرات «الغامضة» لمستودعات الأسلحة التركية، هو أنها كانت تفجيرات مدبرة لمحو آثار الأسلحة التي قدمتها حكومة أردوغان إلى تنظيم «داعش» الإرهابي.

 أخيراً، لا بد من القول إن التدخل التركي السافر في ليبيا لا يشكل عرقلة للحل السياسي المأمول وحسب، وإنما قد يدفع المنطقة نحو صراعات إقليمية كبيرة، لن تترك آثارها على المنطقة فقط، وإنما على الأمن والسلام العالميين كذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"