مبادرة «إسكات البنادق»

01:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

تحت شعار «إسكات البنادق» انعقدت في جوهانسبرج، مؤخراً، الدورة ال14 الاستثنائية للقمة الإفريقية التي تهدف إلى «خلق ظروف مواتية لتنمية إفريقيا»، وإيجاد السبل الكفيلة بوضع حد للنزاعات المسلحة في القارة السمراء التي دفعت ثمنها الشعوب الإفريقية باهظاً.

 وناقشت القمة العديد من القضايا والمشكلات التي تواجه القارة الإفريقية، مثل التهديد الإرهابي، والتطرف العنيف، والنزعات الانفصالية التي تتفاقم حدتها بسبب تدفقات الأسلحة، والأموال غير المشروعة، والجريمة المنظمة، والجريمة السيبرانية.

 والحقيقة أن هذه القمة شكلت مناسبة مهمة لتقييم الوضع الذي يهدد سلام وأمن واستقرار القارة، وتنميتها، في إطار السعي الإفريقي نحو بناء «قارة آمنة» في 2063، ضمن استراتيجية متكاملة تهدف إلى نبذ العنف والصراعات في إفريقيا.

 ولعل أخطر ما يواجه مبادرة إسكات البنادق الهادفة إلى تحقيق السلام والطمأنينة للشعوب الإفريقية، هو تمدد الجماعات الإرهابية المتطرفة، وانتشار الأسلحة والعصابات الإجرامية، ما يجعل المواجهة مركّبة ومقعدة، وتحتاج إلى إعادة نظر في آليات تطبيقها.

 ومع أن مبادرة إسكات البنادق ليست جديدة، وتم إقرارها خلال القمة الإفريقية عام 2013، بتأييد وزخم دولي. كما سبقتها العديد من المبادرات المماثلة، إلا أن ما يميز هذه الخطوة الإفريقية الآن هو أنها تأتي في وقت يواجه فيه العالم أجمع أزمة حقيقية سببها وباء كورونا، وتداعياته الاقتصادية، التي ستطال العالم بأسره، وقد تقود إلى مزيد من التوترات والصراعات في العالم.

 كما تكتسب أهميتها من كونها تأتي تحت مظلة مفوضية الاتحاد الإفريقي، ومكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، والمركز الإقليمي المعني بالأسلحة الصغيرة في منطقة البحيرات الكبرى والقرن الإفريقي.

 فضلاً عن دعم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، الذي أكد على ضرورة التنسيق مع القيادة الإفريقية لتحقيق السلم والأمن في القارة، وأثنى على الاتحاد الإفريقي لإطلاقه مبادرة «إسكات البنادق».

 ومع أن مبادرة إسكات السلاح هي مبادرة ذات طابع أخلاقي، وتمتلك مشروعيتها، وضروراتها الملحة، بالنسبة إلى شعوب القارة الإفريقية، التي اكتوت بنار الصراعات المسلحة، إلا أن هناك الكثير من العقبات التي تعترض طريقها، وأهم هذه العقبات هو السياسات التي تتبعها الدول الكبرى، ولا سيما الغربية الاستعمارية، التي تغرق القارة السمراء بالأسلحة، لتأجيج الصراعات الإفريقية، تمهيداً للتدخل في الشؤون الإفريقية، وسرقة ثروات هذه الشعوب، من البترول والمعادن الثمينة، وغيرها من الثروات التي تكتنزها الأرض الإفريقية على امتداد المساحة الجغرافية للقارة بأسرها.

 ويكفي أن نشير هنا إلى أن هذه الصراعات الإثنية، والدينية، والإيديولوجية المعقدة، أدت إلى مقتل عشرات، بل مئات الآلاف من أبناء القارة السمراء، فضلاً عن تشريد نحو تسعة ملايين شخص في مختلف أنحاء القارة منذ نهاية الحرب الباردة عام 1991، خاصة مع انتشار الجماعات الإرهابية في ربوع القارة، مثل «بوكو حرام»، و«حركة الشباب»، وتنظيم «جيش الرب المسيحي»، وغيرها من التنظيمات الإرهابية المسلحة، التي استطاعت شراء أسلحة متقدمة عبر التجارة غير المشروعة، مثل تجارة المخدرات، والاتجار في البشر، والتي نجحت في إفشال العديد من المبادرات الرامية إلى بناء السلام وتوفير بيئة آمنة في إفريقيا، وهي من الشروط الأساسية والضرورية لأي عملية تنمية حقيقية، تسهم في تطوير المجتمعات الإفريقية، والتأسيس لمستقبل أفضل لأبنائها.

 أخيراً، لابد من القول إن مبادرة «إسكات السلاح» تحتاج لدعم دولي حقيقي، ونوايا إفريقية صادقة، تضع مصلحة الشعوب الإفريقية في سلم أولوياتها، وإلا فإن هذه المبادرة الهامة ستلحق بسابقاتها من المبادرات التي سعت إلى تبريد الصراعات في القارة الإفريقية، التي تم استغلالها على مدى قرون طويلة من الاستعمار الغربي، واكتوت بنار ما افتعله من صراعات داخلية فيها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"