عادي

الاحـتـيــال الهــاتفـي.. مصــيدة تقنـيــة للغــافلين

01:18 صباحا
قراءة 8 دقائق
1
جود مسكجي
خليل المنصوري
عبد الله الشحي
جمال الجلاف
سعيد خلفان
سعيد الهاجري

تحقيق: سومية سعد

انتشرت في الآونة الأخيرة عمليات الاحتيال في ظل تصاعد الثورة الصناعية الرابعة، والتواصل الرقمي التي فرضتها جائحة «كورونا». وأفرزت وسائل الاتصال والتواصل الذكية جرائم ذكية متعددة الوجوه، منها الاحتيال الهاتفي لاصطياد الضحايا، من عصابات عابرة للقارات ممن تمرسوا على أساليب النصب الحديثة المستخدمة في خداع الجمهور، واستغلال حاجتهم المتزايدة لاستخدامات الهواتف الذكية والتقنيات الحديثة، ومطالبات واسعة بالتصدي لأساليبهم الخادعة.
وفي التحقيق الآتي نستعرض بعض صور الاحتيال، وتحذير الجهات الشرطية من الرد على مكالمات غير موثوقة المصدر تطلب معلومات الشخص البنكية، ومطالبات اجتماعيين بالتصدي لذلك.

يقول سامح إدريس: «في هذه الرسالة بين ليلة وضحاها تحولت حياتي إلى جحيم. عزيزي العميل.. تم حظر بطاقة الصراف الآلي الخاصة بك؛ لأنك لم تقم بتحديث بياناتك. ولتفعيل البطاقة الخاصة بك اتصل على هذا الرقم، حيث قمت على الفوز بتحديث البيانات لأجد أن رصيدي قد سحب بالكامل من البنك».
جائزة مالية كبيرة
وتقول فاتن سعيد: «أوهمني شخص بأنني ربحت جائزة مالية كبيرة وبأن الجائزة كي يتم صرفها، يتوجب دفع رسوم، وزودني برقم شخص لإرسال حوالة مالية إليه عن طريق مكتب صرافة، وحذرني من إغلاق خط الهاتف، أو إبلاغ أي شخص عن الفوز بالجائزة للحفاظ على سريتها، لأجدها قضيه احتيال في النهاية».
أما «ج.ع» الذي كان يبحث عن فتاة للزواج فوقع فريسة لعملية نصب عبر هاتفه في موقع للزواج عبر فتاة جملية ليتفاجأ عندما يصل إلى عنوان الفتاة، بأنها ليست الموجودة في الصورة ومن ثم يعمل أفراد العصابة على السيطرة على الضحية، وسرقة ما بحوزته من بطاقات ائتمان.
وتقول سناء الهيشري، إنها تعرضت أكثر من مرة لخداع الفوز بجوائز مالية، لكنها كانت تنتبه إلى أن لهؤلاء المحتالين حيلاً للإقناع، وحتى لا تقع الضحية تحت تأثير الابتزاز يجب التعامل بحذر شديد مع الآخرين وعدم مشاركة البيانات والمعلومات الشخصية المهمة أو الصور والفيديوهات وغيرها من الأمور التي تجعل الضحية تخضع لمتطلبات المبتز ومجاراته.
الجهات الشرطية
اللواء خليل إبراهيم المنصوري، مساعد القائد العام لشؤون البحث الجنائي، يحذر من الرد على مكالمات غير موثوقة المصدر تطلب معلومات الشخص البنكية أو الهوية، وعدم الانقياد وراء الخدع التي يوهم أصحابها المستخدمين بفوزهم بجوائز مالية قيمة من غير مرجعية أساسية لها، حيث بيّنت بلاغات عدة أنها جوائز وهمية تستهدف إما الاستيلاء على الرصيد المالي، أو الدخول في شبكة معقدة من الاتصالات والرسائل الهاتفية الخادعة التي تنتهي باستنزاف مبالغ مالية من غير عائد حقيقي.
وطالب بعدم استخدام التطبيقات القابلة للاختراق أو إرسال معلومات مهمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي كرقم الحساب البنكي، كما يجب تفادي الإجابة عن إيميلات ورسائل مجهولة المصدر.
ابتزاز
وأوضح العميد جمال سالم الجلاف، مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية، أن الإدارة تعاملت مع 115 جريمة احتيال إلكترونية خلال العام الجاري؛ إذ برزت بلاغات الاحتيال عن طريق تقنية المعلومات التي انتشرت في الآونة الأخيرة بصورة كبيرة، بين أفراد المجتمع داخل الإمارة وخارجها، بأسلوب تحديث بيانات الموظف في البنك أو أسلوب ربح جائزة عن طريق «اتصالات» أو «دو»، وأساليب إجرامية أخرى كالشراء عن طريق المواقع التجارية وغيرها.
وأشار إلى أن هذه الأساليب تغيرت وتطورت مع التغير المستمر عبر الفضاء السيبراني، ما يحتم أهمية البدء في بدء حملات توعوية على نطاق واسع للمجتمع لتوعية الجمهور بمخاطر هذا النوع من الجرائم، والأذى المادي والنفسي الذي يسببه لأفراد المجتمع، من خلال ثلاث لغات، تستهدف تحذير جميع شرائح المجتمع من مخاطر جرائم الاحتيال عن طريق تقنية المعلومات.
حملات توعية
وقال العقيد علي خلفان المنصوري مدير الإدارة العامة لإسعاد المجتمع بالنيابة، إن شرطة دبي تطلق حملات توعية منها مؤخراً حملة «لا تكن ضحية الاحتيال أو التصيد الإلكتروني»، التي تسهم في توعية الناس بمختلف المخاطر التي قد تواجههم، بهدف إسعادهم وتوفير الأمن والأمان لهم، وإن الحملة عملت على ضمان تلقي أفراد المجتمع للرسالة التوعوية بمختلف الطرق عبر النشرات الإعلامية، سواء المقروءة أو المسموعة والمرئية، وتسخير قنوات شرطة دبي في مواقع التواصل الاجتماعي لعرض مواد فيلمية ونشرات توعوية بعدة لغات تتناسب مع مختلف شرائح المجتمع في مراكز الشرطة الذكية، ودوريات الشرطة، ونشر إعلانات في المناطق السكنية، والشوارع الخارجية، وأجهزة الصراف الآلي، ورسائل البريد الإلكتروني، وغيرها من أجل حماية المجتمع، والعمل على تجنب الوقوع في براثن الاحتيال الإلكتروني.
400 بلاغ
وقال العقيد سعيد الهاجري، مدير إدارة الجرائم الإلكترونية في شرطة دبي: «وصل عدد البلاغات إلى 400 بلاغ نجمت عن القبض على 86 مشتبهاً فيهم، وتم حجب 8 آلاف رقم هاتف استخدمها المحتالون هذا العام. وتوجد أساليب حديثة يتبعها محترفو الاحتيال الهاتفي لاستدراج الضحية والاستيلاء على أمواله، فالمجرمون يتصلون بضحاياهم متنكرين في صورة موظفين في البنك المركزي، ويحذرونهم من إيقاف بطاقاتهم الائتمانية إذا لم يقوموا بتحديث بياناتهم، وهي انتحال صفة موظف شركة وإيهامه بفوز رقم هاتفه خلال سحب عشوائي، بجائزة مالية، أو ترشيح رقمه للفوز بجائزة ثمينة، لأصحاب الأرقام المميزة، واستغلال المناسبات الرسمية للدولة والشركات الكبرى، وإرسال صورة عن جائزة وهمية. 
وحث الضحايا على الاتصال ببنوكهم على الفور بمجرد الاشتباه في وجود عملية احتيال، بحيث يمكن تجميد حساباتهم المصرفية لمنع سحب الأموال قبل إبلاغ شرطة دبي بالحادثة.
الإبلاغ
ودعا النقيب عبدالله الشحي، نائب مدير إدارة المباحث الإلكترونية في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية، أفراد المجتمع إلى عدم التردد في الإبلاغ عن أي تهديد يتعرضون له، بفتح بلاغ عبر منصة «ecrime» الإلكترونية عبر الهواتف الذكية والموقع الإلكتروني، مؤكداً أهمية عدم الرضوخ لطلبات المتصيّدين والمحتالين، من خلال إرسال الأموال وعدم الرضوخ لأي شكل من أشكال الاحتيال والابتزاز الإلكتروني، والمبادرة بطلب المساعدة الفورية من الشرطة لاتخاذ اللازم.
الجانب النفسي
وحذرت الدكتورة ليلي عمر من التركيز على التواصل الرقمي وما فرضته جائحة «كورونا»، خاصة للفئة العمرية من 18 إلى 25 عاماً؛ إذ لا يتوانى قراصنة الاحتيال الهاتفي عن اصطيادهم. وتوجد أسباب نفسية رئيسية تؤدي إلى وقوع الضحايا في براثن المحتالين وهي: الطمع، وقلة الوعي، وحب المغامرة، والرغبة في إثبات الذات، وغياب القيم.
وأضافت: «لو رأينا النتائج التي تترتب على الابتزاز الإلكتروني، لو وجدنا أن ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع، وانتشار الأمراض النفسية كانت بسبب معاناة الضحايا للضغوط، كما قد يلجأ البعض إلى الانتحار أو الإقدام على رد فعل غير قانوني يعرضه للمساءلة القانونية، وبسبب جهل أغلبية الأشخاص لحقوقهم وكيفية المطالبة بها أو المحافظة عليها وعدم قلب الحقيقة ضدهم، تسعى كثير من المؤسسات والجهات المعنية بتوعية الأفراد وخصوصاً الفتيات والنساء، إلى عدم الرضوخ للمبتزّين أو القراصنة الإلكترونيين، والتوجه مباشرة إلى الجهة المختصة لتبدأ عملها بشكل قانوني ورسمي يحفظ لهم حقوقهم».
الجانب الديني
وقال الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد، كبير المفتين، مدير إدارة الإفتاء: «الاحتيال الهاتفي هو نوع من الابتزاز والسرقة الخفية التي تتنافى مع الدين الإسلامي والعادات والتقاليد والعرف السائد، ويسقط فيها بعض من لا يحتاطون لأنفسهم، فيقعون فريسة لؤلئك المحتالين، حيث يسحبون أرصدتهم أو ما يرسلونه لهم مخادعة، ثم يندمون. ولابد للأفراد من أن يكونوا حريصين حتى لاينخدعوا بإعطاء معلومات سرية عن حساباتهم البنكية أو يدخلوا في مشاريع واستثمارات وهمية، انخداعاً بالدعايات الترويجية للعملات المشفرة الإلكترونية وغيرها، أو في الشبكات العنكبوتية والتسوق الهرمي، فكل هذه حبائل المحتالين الذين يفترسون ضحاياهم وهم ينظرون، ويسلمون لهم أنفسهم وهم لا يشعرون، ولا تزال الجهات الرقابية والبنوك تحذر من الانخداع بهذه الترويجات، غير أن الناس لا يسمعون، ولا يستفيقون إلا بعد أن يخسروا».
فيجب أن يكون كل إنسان بصيراً على نفسه حذراً من الوقوع في هذه المصايد، فإنه إذا وقع في شباكها لن يقف معه أحد؛ لأنه هو الذي فرط في نفسه وماله، فلا بد من الحذر قبل الوقوع في الخطر، وكما قال ربنا سبحانه: «بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ» [القيامة: 14، 15]
الجانب القانوني
وقال المستشار القانوني محمد فتحي، إن أساليب الاحتيال التي تنتهجها تشكيلات الاحتيال الهاتفي، ترتكز على العمل في الظل بعيداً عن الأعين، وذلك باستخدام بطاقات هاتف (SIM) مسجلة بأسماء أشخاص آخرين غادروا الدولة عائدين إلى أوطانهم، الأمر الذي يُسهم في إطالة إجراءات تحديد هويتهم الحقيقية، فضلاً عن تشجيعهم على مواصلة ممارسة أفعالهم الإجرامية، والقانون يعاقب في مثل هذه الحالات، طبقاً للمرسوم بقانون اتحادي رقم 5 لسنة 2012 في المادة 16 منه؛ إذ نص على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تجاوز 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ابتز أو هدد شخصاً آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات، وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على 10سنوات، إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشة للشرف والاعتبار».
الجانب الاجتماعي
وتقول المستشارة تهاني التري خبيرة العلاقات الدولية، إن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي، سهّل عمليات الابتزاز لضحايا من كل الأعمار والمستويات الثقافية والاجتماعية، لا سيما الفتيات والنساء. 
والابتزاز الإلكتروني يظهر في نوعين: الأول مادي والثاني معنوي، وحسب التقارير والإحصائيات المعتمدة من الجهات المختصة، كانت الفئة العمرية الأكثر استهدافاً للابتزاز الإلكتروني من 18 إلى 25 عاماً، وتعتبر النساء الأكثر تردداً في الإبلاغ عن تعرضهن للابتزاز، على الرغم من التعامل بسرية تامة مع الحالات كافة.
وطالبت بسرعة إبلاغ الجهات الرسمية حتى نعمل على خفض الجريمة والقضاء على هؤلاء المبتزين، ونوضح للبعض الحقوق والواجبات اللازمة، خاصة أن أغلبية الأشخاص يجهلون حقوقهم وكيفية المطالبة بها أو المحافظة عليها، وتوعيتهم بعدم الرضوخ للمبتزين أو القراصنة الإلكترونيين والتوجه مباشرة إلى الجهة المختصة.
جرائم مستحدثة
وقال الأستاذ الدكتور أحمد فلاح العموش، أستاذ علم الجريمة في جامعة الشارقة، إن هذه الجرائم مستحدثة ومتجددة وتطوير التقنية سهّل هذه الجرائم، وكلما زاد تصنيع برامج وقائية زاد تطور هذه التقنيات وطالب أفراد المجتمع بالتوعية وجعل الهواتف الخاصة بهم أكثر حماية، وعدم فتح الهاتف أمام الغرباء، والتعامل بحذر شديد مع الآخرين، وعدم مشاركة أي معلومات حساسة مثل أرقام الحسابات والبطاقات البنكية، وكلمات المرور، ورموز التعريف الشخصي، ورموز الأمان الموجودة أسفل البطاقات.
وطالب الأسرة والمدرسة والجامعات بعمل ندوات للتوعية لحماية المجتمع من هذه الفئة، وتعزيز الوعي المجتمعي للتصدي للنصب الهاتفي، وتوعية أفراد المجتمع بمخاطر هذه الآفة التي تتطلب الحذر والحكمة في التعامل معها.
وطالب بضرورة أن تتولى هذه المؤسسات دوراً في وضع نشرات توعية في مقارها وأفرعها، تحذر من السير وراء ممارسي النصب بشكل عام، ومنتهجي عمليات النصب عبر الادعاء بالفوز بالجوائز الوهمية.
محاذير
وتقول الدكتورة جود مسكجي: «لتجنب محاذير الوقوع ضحية الاحتيال الهاتفي، يجب عدم الوثوق بالأشخاص المجهولين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم إعطاء أي بيانات شخصية لمصادر مجهولة، عن طريق الهاتف، وتجنب محادثات الفيديو مع الأشخاص المجهولين، وعدم دخول المواقع المشبوهة، وعدم إعطاء الأجهزة الذكية للصيانة إلا لوكيل معتمد أو محال موثوقة، وعدم مشاركة البيانات والمعلومات الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"