لبنان.. العلاج بانتخابات مبكرة

03:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

يعرف لبنان مع اختتام عام 2019 أزمة شديدة الصعوبة مع العجز عن التوصل إلى خيار حكومي يرضي الرأي العام. ليست هناك إحصاءات موثوقة عن مدى القبول الشعبي بخيار الحراك الذي مضى عليه 11 أسبوعا، غير أن شعاراته تلقى تأييداً حتى لدى الشريحة الحاكمة، حيث يتسابق السياسيون على إدانة الفساد والدعوة إلى مكافحته، في محاولة لتبرئة الذات لدى بعضهم. ويسترعي الانتباه أن المصارف باتت في عين العاصفة، وأنها باتت تختزل الأزمة في بلد عُرف على الدوام بتماسك مؤسساته المصرفية وأدائها النشط. وتتباين التقديرات حول أموال تم تحويلها إلى الخارج (سويسرا تحديداً)، وأياً كانت هذه التقديرات، فإن اهتزاز الثقة بهذه المؤسسات يضعف دورها، وينعكس سلباً على تواصلها مع النظام المالي الدولي. هذا مع عدم إغفال تأثير اهتزاز الثقة في الداخل على الودائع والقروض، فقد عاد شطر من اللبنانيين إلى زمن حفظ أموالهم تحت الوسادة، بسحب مدخراتهم في وقت مبكر من اندلاع الأزمة. بينما يجري تقييد السحب للمودعين، بمن في ذلك صغار المودعين الذين يشكلون نحو 70 في المئة من المودعين.
وبينما يتهم أركان في الحكم الحراكيين بأنهم يغلقون الطريق نحو الحلول (إضافة إلى إغلاق الطرقات في بيروت)، فالواضح أن الجمهور سبق من قبل أن بذل تضحيات جمة، بتقليص الخدمات الأساسية الممنوحة له، والتعايش مع واقع البطالة، وصولاً إلى إفقار الطبقة الوسطى. وقد آن الأوان لأن تبادر الأطراف المتنفذة، لأن تؤدي قسطها من التضحيات بالاكتفاء بما حققته منذ زهاء ثلاثة عقود، عقب الخروج من الحرب الأهلية الطويلة، وتوقيع اتفاق الطائف. ويتمسك المنتفضون الذي يمثلون سائر المناطق والشرائح بتشكيل حكومة اختصاصيين من خارج المنظومة، والتحضير لانتخابات جديدة وفق قانون انتخابي جديد، يأخذ علماً بالوضع الطائفي من غير أن يتقيد به، كما كان عليه الحال منذ الاستقلال في عام 1946. وبما يفتح الباب أمام إجراء انتخابات تفرز ممثلين للشعب، لا للطوائف. والانتقال من ذلك إلى انتخاب رئيس جديد (ربما بالاقتراع المباشر، لا من خلال مجلس النواب كما هو المعهود).
لا تلقى هذه المطالب آذاناً صاغية إلا لدى حفنة من السياسيين، إذ تدور سجالات أهل الحكم على تشكيل حكومة تكنوقراط يحظى أعضاؤها برضا القوى السياسية، وتحوز على الثقة في البرلمان. بما يعني التقيد بالأمر الواقع القائم، وبقواعد اللعبة السارية. وهو ما تصفه أوساط الحراك بأنه حالة إنكار للتحول القائم في وعي اللبنانيين ومطامحهم. وذلك مع اختزال التغيير المنشود بتشكيل حكومة فحسب، مع تجاهل المطالب الأخرى، ومنها ما يطلق عليه استرداد الأموال المنهوبة.
يثق المرء بأن النخب السياسية في لبنان على قدر من التنوع، وإن شطراً كبيراً منها يطمح على الرغم من التباينات مع مكونات أخرى، إلى بناء دولة عصرية في وطنهم. هذا مع القناعة المتزايدة والملموسة بأنه بات من المستحيل العودة إلى النهج السابق، الذي أدى إلى شفا الإفلاس والفقر، وتهجير ملايين المواطنين في القارات التماساً للرزق. علماً أن أي نزاع أهلي، لا قدّر الله، سوف يدفع الجميع أكلافه ونتائجه. وأكبر الخاسرين في مثل هذه الحالة هم أصحاب الامتيازات والنفوذ.. لا أولئك الذين لا يملكون سوى قوت يومهم، إن امتلكوه. ومفتاح الأبواب الموصدة هو في القبول بإجراء انتخابات مبكرة، وفق نظام انتخابي جديد، وذلك بدلاً من الاحتكام إلى توزع القوى في المجلس القائم.
والراجح والمأمول أن تعيد القوى المتنفذة حساباتها، وأن تخرج من أنانيتها الضيقة، بالقبول بتجديد النظام القائم. علماً بأن أقصى مطالب الحراك تكمن في هذا التجديد الذي يمنحهم الأمن، ويصنع فرقاً كبيراً، ويكفل الوئام والسلم الأهليين، ويعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها، وينقذ من كارثة انهيار اقتصادي، وما يحمله من تبعات اجتماعية وتداعيات أمنية. كما يدرك اللبنانيون بخبرتهم الحسية المتراكمة أن التدخلات الخارجية لن تسهم في حلحلة الوضع، بل ستؤدي إلى تأزيمه، وذلك مع توطن القناعة بأن الأزمة الحالية هي داخلية في جوهرها، وأن معالجتها لن تتم إلا على أيدي الأطراف الداخلية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"