الأزمة ليست يونانية فقط

03:49 صباحا
قراءة 4 دقائق
عاصم عبد الخالق

من وجهة نظر عربية قد لا تشغلنا كثيراً نتائج وتداعيات الأزمة المالية في اليونان إلا بقدر تأثيرها على الاستثمارات العربية هناك، خاصة بعد أن بات الحديث مطروحاً عن احتمال إعلان الحكومة إفلاسها كمخرج أو مهرب من أزمتها وعدم قدرتها على الوفاء بأقساط ديونها.
هذا الاحتمال الذي يعتبره الاتحاد الأوروبي كارثياً لا يمثل سابقة استثنائية في تاريخ اليونان التي سبق أن لجأت إليه أربع مرات من قبل، ثلاث منها في القرن التاسع عشر في سنوات 1827 و1843 و1893 والمرة الأخيرة في القرن العشرين وتحديداً عام 1932، إلا أن هذا الاحتمال يبقى أحد البدائل المطروحة وليس المصير المحتم الذي ينتظر اليونان أو الطريق الوحيد الذي يتعين عليها السير فيه.
الاحتمال الآخر الكارثي أيضا من وجهة النظر الأوروبية هو إعلان أثينا انسحابها من منظومة اليورو. ويبالغ بعض الخبراء والسياسيين الأوروبيين في التحذير من مخاطر هذا الإجراء وتأثيراته السلبية سياسياً واقتصادياً على الاتحاد الأوروبي بصفة عامة والدول المجاورة على وجه الخصوص. كما يحذرون من عواقبه الوخيمة على الاستقرار والأمن في منطقة شرق أوروبا والبحر المتوسط.
وفي المقابل يهوّن آخرون من تأثيرات مثل هذه الخطوة ويتوقعون نجاح الاتحاد في احتواء تداعياتها. وتنشر الصحف الألمانية بالذات تسريبات عن خطط أوروبية جاهزة لمواجهة احتمال انسحاب اليونان من منطقة اليورو أو إعلان إفلاسها.
ورغم تباين توقعات الطرفين بشأن نتائج خطوة كهذه، أي انسحاب اليونان من منطقة اليورو، فإنهما معاً يتفقان على أن خروج اليونان سيمثل انتكاسة تاريخية حقيقية لحلم الوحدة الأوروبية، وربما يكون البداية المؤلمة لانفراط عقد الاتحاد، خاصة وأن هناك حلقات ضعيفة أخرى في منظومته الاقتصادية سواء في بلدان شرق أوروبا أو الحزام الجنوبي ممثلاً في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا. وإذا كان من المستبعد انسحاب هذه الدول في المستقبل القريب فلاشك أن اقتصاداتها ستتأثر بشدة في حالة انسحاب اليونان أو إفلاسها.
البديل الثالث هو النهاية السعيدة التي يتمناها الأوربيون وقطاع كبير من الشعب اليوناني نفسه وهو التوصل إلى اتفاق على شروط وخطة الإنقاذ بين اليونان والترويكا الدولية المتفاوضة معها وتضم المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
ولا يملك الطرفان متسعاً من الوقت، إذ لابد من التوصل إلى هذا الاتفاق قبل الثلاثين من الشهر الجاري موعد سداد 1، 5 مليار يورو قيمة القسط المقبل من قرض مستحق على اليونان لصالح صندوق النقد. وحتى الآن تعلن اليونان أن خزائنها خاوية، وأنها في انتظار الدفعة الأخيرة من أموال حزمة الإنقاذ الدولية بقيمة 7، 2 مليار يورو. وكان الدائنون قد أوقفوا تقديمها لليونان انتظاراً للوفاء بتعهداتها بإجراء إصلاحات داخلية متفق عليها. قبل هذا الموعد بخمسة أيام ستلتئم قمة أوروبية طارئة في بروكسل يومي 25 و26 يونيو(حزيران) الجاري لبحث الأزمة وهي الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق.
مرة أخرى نقول إنه من وجهة نظر عربية وبصرف النظر عما أشرنا إليه من مسألة الاستثمارات العربية في اليونان، فإنه قد لا يكون من المهم كثيراً التوقف أمام المخاوف الأوروبية من انسحاب اليونان من منظومة اليورو. الأكثر أهمية هنا هو الدرس الذي يمكن الخروج به من متابعة هذه الأزمة وتتبع جذورها وأسبابها. بعيداً عن الإغراق في التفاصيل المحلية للأزمة التي تعطيها بلا شك خصوصيتها، فإن هناك عوامل مشتركة كثيرة وأساسية تجمع المشكلة اليونانية مع غيرها من المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها العشرات من بلدان العالم الثالث حتى ولو لم تكن اليونان تنتمي إلى هذا العالم.
طبيعة الأزمة اليونانية باختصار هي أن الدولة لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه دائنيها بعد أن توسعت في الاقتراض الخارجي بصورة تفوق قدرتها على السداد. هذه نفسها أعراض الأزمات التي تعاني منها الكثير من الدول النامية. ليس هذا فقط بل إن الفشل في الوفاء بأقساط الديون نتيجة عدم وجود موارد، وضعف الأداء الاقتصادي يرجع هو الآخر لأسباب مشابهة تماما بل متطابقة مع ظروف بلدان أخرى عدة.
في مقدمة هذه الأسباب الفساد المالي والإداري، وضعف التنسيق أو غيابه بين الإدارات والأجهزة الحكومية المختلفة، وعدم كفاءة أداء هذه الأجهزة، وقصور منظومة جباية الضرائب، وزيادة الإنفاق على التسلح، والبيروقراطية وتخلف نظام التعليم وعدم ملاءمته لاحتياجات التنمية، وعدم وجود قواعد معلومات وبيانات حكومية دقيقة وذات مصداقية.
الحلول المطروحة أيضا لاتختلف في الحالة اليونانية عن مثيلاتها في أنحاء شتى من العالم: هناك وصفات جاهزة من مؤسسات التمويل الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الذي تتجرع على يديه العشرات من الدول دواء مراً لاينفك يثير عاصفة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية تفجرها الطبقات الفقيرة التي تكتوي قبل غيرها بنيران خطط التقشف المقدمة من الصندوق. أي أن الحل باختصار سواء في حالة اليونان أو غيرها هو إنقاذ الاقتصاد والتضحية بالشعب.
إنها قصة مأساة نظام اقتصادي عالمي جائر، وفشل داخلي للحكومات المتعاقبة يدفع ثمنه في النهاية المواطن البسيط. وإلى أن يقرر اليونانيون النهاية التي يريدونها لتلك الدراما التاريخية التي يعيشونها، ستظل كل العيون معلقة ببلاد الحضارة وأرض الفلاسفة ومهد الحكمة الإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"