عشر سنوات على «ثورة الياسمين»

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

حلّت قبل أيام الذكرى العاشرة لثورة الياسمين في تونس التي تمخّض عنها سقوط نظام الرئيس الراحل «زين العابدين بن علي»، وشكلت انطلاقة لما يسمى «الربيع العربي» الذي اكتسح عدداً من دول المنطقة، وهي الذكرى التي تزامنت مع اندلاع احتجاجات تركزت المطالب فيها حول توفير فرص الشغل، وتوسيع هامش الحقوق والحريات، وإصلاح الاقتصاد، والالتفات إلى «المناطق المهمشة».

 وعلى امتداد السنوات الأخيرة، شهدت البلاد مجموعة من الاحتجاجات، لكن حدة هذه الأخيرة تتصاعد مع تنامي المعضلات الاجتماعية والإشكالات الاقتصادية التي عمقتها جائحة «كورونا»، بعدما أصاب الانكماش الاقتصاد في البلاد، فيما ارتفعت نسبة التضخم بشكل ملحوظ وتضرر قطاع السياحة بصورة غير مسبوقة، وتوجّهت السلطات في الفترة الأخيرة نحو تشديد التدابير المتصلة بفرض حظر التجوّل الليلي في سياق الحد من تفشي فيروس «كوفيد 19».

 وعبرت العديد من الأطراف السياسية والأكاديمية عن انتقاداتها للمقاربة الأمنية التي تم التعامل بها مع الاحتجاجات الأخيرة، مشيرة إلى أنها طغت على حساب التجاوب مع المطالب المرفوعة خلالها بقدر من الجدية والنجاعة.

 تمثل هذه الاحتجاجات تحدياً حقيقياً أمام رئيس الجمهورية «قيس سعيّد» الذي لم يمض سوى أقل من عام ونصف العام على رأس السلطة، وكذلك الأمر بالنسبة للحكومة التي يترأسها «هشام مشيشي».. خصوصاً أن بعض الشعارات طالبت بإسقاط النظام، وبتغيير الحكومة، كما أنها تشكّل أيضاً محطّة لتقييم مكتسبات الثورة من جهة، والوقوف على الاختلالات والإشكالات التي واجهتها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من جهة أخرى.

 استطاعت الثورة التونسية أن تحقق مجموعة من المكتسبات السياسية والقانونية، ما ساهم في توسيع مناخ الحريات والانفتاح السياسي، لكنها فشلت في تعميق هذه المبادرات من خلال تطوير الاقتصاد وتعزيز التنمية ومواجهة المعضلات الاجتماعية المتّصلة بتوفير فرص الشغل وتحسين الأحوال المعيشية للمواطن، وهي الحصيلة التي تباينت الآراء بشأنها المواقف، بين من اعتبرها نتاجاً لغياب سياسات استراتيجية في هذا الخصوص مبنية على إرساء سياسات عمومية استراتيجية، وعلى جلب الاستثمارات ومكافحة الفساد، ومن ربطها بعدم استقرار التجارب الحكومية، ووجود قوى مناهضة لكل المبادرات الإصلاحية..

 وقطعت تونس بعد الثورة أشواطاً مهمة في مسارها السياسي، مع تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية مختلفة ومتميزة عن سابقاتها، غير أن المرحلة ما زالت حبلى بالإشكالات الكبرى، بخاصة على مستوى الصعوبات الاقتصادية التي تشهدها البلاد نتيجة لتدني مداخيل السياحة، وتراجع الاستثمارات الخارجية بصورة ملحوظة، علاوة على وجود  محيط ملتهب من جهة ليبيا، ما أفرز أجواء من عدم الثقة بهذه المكتسبات، وقدراً من التخوف من المستقبل.

ورغم الإشكالات المطروحة، يبدو المشهد السياسي التونسي اليوم أكثر نضجاً وحصانة ضد أية تراجعات، بعد اجتياز الكثير من المحطات الصعبة منذ عام 2011، بفضل المكتسبات الدستورية والمؤسساتية التي تحققت على امتداد العقد الأخير، غير أن هشاشة التوافقات السياسية وضعف التحالفات الحكومية، واستمرار المعضلات الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى التحديات الأمنية التي يطرحها نشاط الجماعات الإرهابية، كلها عوامل تتهدد التجربة الديمقراطية الواعدة في هذا البلد المغاربي، ما يقتضي إعمال توافقات صلبة ومنفتحة على المستقبل، تسمح بالتعاطي الناجع مع التحديات المطروحة.

ومنذ رحيل نظام «ابن علي» والبلاد تعيش على إيقاع مفارقتين واضحتين، الأولى، تحيل إلى دينامية سياسية لا تخلو من أهمية رغم الصعوبات التي تعتريها، بالنظر إلى المحيط الإقليمي الملتهب، والثانية، تتصل بتعقّد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية مع تنامي خطر الجماعات الإرهابية في البلاد وانعكاساته السلبية على قطاع السياحة الذي يشكل أحد المداخيل الأساسية المغذّية للاقتصاد التونسي.

 تعيش تونس في الوقت الراهن مرحلة مفصلية من تاريخها السياسي، وهي لحظة تفرض اليقظة، لتثمين المكتسبات وترسيخها، والانفتاح على المستقبل من خلال تجاوز الخلافات الضّيقة وهدر الوقت، والانهماك في الأولويات التي لا يختلف بشأنها أحد، بما يسمح بتجاوز الإشكالات المطروحة حالياً، ويعزّز ثقة المواطن بالمؤسسات الدستورية والنخب السياسية، وبمختلف المبادرات المهمة المتراكمة، ويعزّز مصالحته من جديد مع الشأن السياسي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"