مخاطر الفراغ السياسي في العراق

02:46 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد السعيد إدريس

الأزمة العراقية لم تعد مجرد أزمة تشكيل حكومة بل هي أزمة نظام لم يعد قادراً على البقاء بعد أن استنفد كل أغراضه، وأضحى بحاجة إلى «معادلة سياسية جديدة».

وضع عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي المستقيل، وبعده محمد توفيق علاوي رئيس الوزراء المُكلف الذي اعتذر بدوره عن تشكيل الحكومة، العراق في مأزق فراغ سياسي غير مسبوق، وفي حالة من «الفوضى» مع تفاقم حالة الارتباك والتنافر السياسي، وغياب الانسجام بين القوى السياسية. في وقت يصر الحراك الجماهيري في ميادين ومحافظات العراق على تنفيذ مطالبه، التي عجز الجميع عن تنفيذها. وجاء اعتذار علاوي عن التكليف بتشكيل حكومة انتقالية إلى حين إجراء الانتخابات العامة، المقررة مع نهاية هذا العام، بعدما أخفق البرلمان يوم الأحد الماضي (أول مارس/آذار 2020) في عقد جلسة استثنائية؛ للتصويت على منح الثقة لحكومته؛ إذ لم يتحقق النصاب القانوني للجلسة البرلمانية التي لم يحضرها سوى 108 نواب فقط، في حين كان يتطلب حضور 165 نائباً (نصف الأعضاء +1).

هذه التطورات دفعت عادل عبد المهدي هو الآخر لتفجير مفاجأته بالانسحاب من مواصلة مهامه رئيساً لحكومة تصريف الأعمال إلى حين اختيار مرشح جديد؛ لتولي منصب رئاسة الحكومة، ومنحه الثقة وحكومته من البرلمان.

انسحابان متزامنان جعلا العراق بدون رئيس حكومة مسؤول عن إدارة شؤون البلاد، على الرغم من الحلول الإجرائية التي اقترحها عادل عبد المهدي بدائل لقراره ب«الانسحاب الطوعي» من رئاسة الحكومة، كما ورد في بيانه، وفقاً للنصوص الدستورية، وتتلخص بتكليف أحد نواب رئيس الوزراء أو أحد الوزراء مسؤولية إدارة جلسات مجلس الوزراء، وتصريف الأمور اليومية بموجب المادة (3) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء.

يدرك عبد المهدي أن هذا الحل لن يستطيع التعامل مع حالة الفراغ السياسي، الذي سببه انسحابه الطوعي من رئاسة الحكومة، وبعده اعتذار علاوي عن مهمة تشكيل الحكومة الجديدة؛ لإدراكهما أن ما يمكن اعتباره ب«اللعبة السياسية العراقية» قد وصلت إلى منتهاها، ولم تعد قادرة على الصمود، ما يعني أن الأزمة لم تعد مجرد أزمة تشكيل حكومة؛ بل هي أزمة نظام سياسي لم يعد قادراً على البقاء، بعد أن استنفد كل أغراضه، وأضحى العراق بحاجة إلى «معادلة سياسية جديدة»، تتجاوز حدود اللعبة إلى معالجة جذور الأزمة السياسية التي كشف محمد توفيق علاوي عن بعض معالمها في بيان الاعتذار.

كان عبد المهدي يحاول في رسالته، التي سبق أن وجهها إلى البرلمان، التهديد بالاعتذار عن مواصلة دوره رئيساً لحكومة تصريف الأعمال، إذا لم تشكل الحكومة الجديدة التي كان علاوي يسعى إلى تشكيلها، وتحذير النواب من خطر دخول البلاد في «فراغ دستوري آخر»؛ لذلك دعاهم والكتل السياسية والرأي العام إلى «المضي قدماً في تسهيل مهمة علاوي بتشكيل الحكومة، وتجاوز العقبات الجدية والمصطنعة من أمامه»؛ لكن هذه النصائح لم تجد آذاناً صاغية؛ للأسباب التي كشفها علاوي في بيان إعلان اعتذاره.

كشف علاوي أنه اصطدم أثناء المفاوضات الخاصة بتشكيل الحكومة «بأمور كثيرة لا تمت إلى قضية الوطن ومصلحته بشيء»، وقال: «يشهد الله على أني لم أتنازل ولم أقدم المصالح الخاصة على مصلحة البلد، ولكن للأسف الشديد كانت بعض الجهات تتفاوض فقط؛ من أجل الحصول على مصالح ضيقة دون إحساس بالقضية الوطنية، ودون أي اعتبار لدماء الشهداء التي سقطت في ساحات التظاهر؛ من أجل تغيير الأوضاع، وتحقيق رفعة الوطن».

بيان رئيس الجمهورية برهم صالح رداً على اعتذار علاوي، أوضح أنه سيبدأ مشاورات؛ لاختيار بديل خلال 15 يوماً؛ لتشكيل الحكومة الجديدة، لكن يبقى السؤال الصعب: هل يستطيع في ظل المعادلة الصعبة، والتحديات الأصعب التي تواجه العراق الآن، والتي لخصها بيان الرئاسة ب«التداعيات الأمنية والسياسية والاقتصادية والتحديات الصحية»؟

ليس في مقدور أحد في العراق أن يحسم الإجابة عن هذا السؤال ب«نعم» في ظل الفجوة التي تزداد اتساعاً بين الطبقة السياسية الحاكمة بأحزابها وتياراتها وقواها السياسية والطائفية صاحبة المصلحة في استمرار «المحاصصة الطائفية» كأساس للحكم، واستمرار إعلاء مصالحها الخاصة على حساب المصالح الوطنية، والحراك الشعبي ومطالب ساحات الاعتصام التي سبق أن رفضت ترشيح محمد توفيق علاوي لرئاسة الحكومة الجديدة؛ كونه أي (علاوي) «لا تنطبق عليه الشروط التي حددها المتظاهرون ومرجعية النجف، ومنها ألا يكون رئيس الحكومة المقبل من ضمن الطبقة السياسية الفاسدة المسيطرة في الحكومة والبرلمان، ولا يحمل جنسية أجنبية، وعدم خضوعه للتأثيرات الداخلية والإقليمية». هؤلاء يطالبون بإسقاط الطبقة السياسية الحاكمة، وتغيير النظام في حين أن هذه الطبقة هي من يدير السياسة والحكم في العراق، ولن تُسقط نفسها بنفسها، ما يعني أن العراق مقبل على مخاطر هائلة سوف تفاقمها حالة الفراغ السياسي التي من المقرر أن تحكم إدارة الحكم الفترة المقبلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"