الفرد والاستشراف

04:40 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

إن مفهوم استشراف المستقبل ليس بالجديد على مجموعة من حكومات الدول المتقدمة مثل فنلندا وسنغافورة التي وضعت الغد نصب العين من خلال استراتيجيات متكاملة وخطط عمل شاملة لمختلف المجالات مثل التعليم والصناعة والاتصال، وهو الأمر الذي بات يطرح وبقوة على طاولة الحوار الحكومي الإماراتي في السنوات الأخيرة، وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ضمن خطابه في القمة العالمية للحكومات عام ٢٠١٥، أننا «سنحتفل بلحظة توديع آخر برميل نفط بعد أقل من خمسين عاماً» وذلك في حال أحسنّا الاستثمار في معطيات اليوم.
وقد تم إطلاق عشرات المبادرات لخدمة هذا التوجه مثل ورش عمل «المستقبل في ستين دقيقة» غير المنقطعة والتي يشارك فيها كبار الخبراء والمختصين والقائمين على مختلف المؤسسات الحكومية، لمناقشة التحديات أمام تشكيل مستقبل أكثر أمناً واستقراراً لنا وللأجيال القادمة، ومركز محمد بن راشد لأبحاث المستقبل التابع لمؤسسة دبي للمستقبل، إضافة إلى استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل والمعتمدة من قبل وزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، والرامية إلى خلق نماذج مستقبلية للقطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتنموية والبيئية وبناء قدرات وطنية في مجال استشراف المستقبل، وعقد شراكات دولية وتطوير مختبرات تخصصية وإطلاق تقارير بحثية حول مستقبل مختلف القطاعات في الدولة.
ولكن كيف يتلقى الفرد المواطن مثل هذه الرؤى والمشاريع الوطنية، وما هي التحديات التي يواجهها طارحاً أسئلة محركها الأول هو الخوف من الغد وما يخبئه له ولأبنائه؟ وما الذي يشغل ذهنه أولاً، هل هو التعليم أم الصحة أم الأمن الوظيفي أم الأمان؟ في قلب كل سؤال تكمن فرص لا محدودة لو أعدنا النظر في طريقة تلقينا لهذا المفهوم وخصوصاً في ظل وجود كل هذه المنصات التي تصدر الكثير من الأفكار والقضايا بقوالب لا تمتّ للسياق الاجتماعي والثقافي للفرد؛ إذ إن الوعي الذي يتعامل به الأشخاص اليوم يحدد الطريقة التي سيتبعونها لإعداد أنفسهم وأسرهم للتعامل مع التطبيقات الجديدة التي يعد بها الاستشراف.
وللمؤسسات التعليمية هنا دور كبير في إعداد البرامج المهنية والأكاديمية الداعمة للفكر المستقبلي، كما أن عليها واجباً كبيراً في الاستثمار في بحوث ودراسات تتناول جميع جوانب الحياة العملية والاجتماعية وتأثير الاستشراف عليها، كما أن هناك مسؤولية يتحملها الأكاديميون والمعنيون على حد سواء في تحديث المحتوى المتخصص كي يتلاءم مع مستويات الأفراد المختلفة، الأمر الذي يتطلب بناء شبكات من العلاقات المتبادلة بين النظام التعليمي، ونظام السوق وصانع القرار، حتى يتم تجاوز أهم تحدياتنا المتمثل في بناء العقول وتحويل الأفراد إلى جزء لا يتجزأ من منظومة المستقبل، لا مجرد عابرين على هامشها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"