الجزء الخفي من سيناريو فيلم شرير

05:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

ردود الفعل الصاخبة في الشارع العربي على الفيلم المسيء للنبي الكريم محمد، كانت متوقعة، وذلك بالنظر إلى وقائع مشابهة منها الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها صحيفة دنماركية قبل سنوات . ويكاد المرء يجزم بأن ردود الفعل هذه التي طالت سفارات أمريكية على الخصوص، هي جزء غير ظاهر من سيناريو الفيلم الذي أنتجه صهيوني أمريكي يدعى سام باسيل . إذ إن ردود فعل عنيفة ستقلق الأمريكيين العاديين، بما يسهم في تعزيز فوبيا الإسلام، وهي الرسالة الشريرة التي حملها الفيلم الذي بثت مقاطع منه على الإنترنت ولم يُعرض تجارياً في دور السينما الأمريكية . وقد تبين أن منتجه القادم من تل أبيب إلى واشنطن منذ نحو عشر سنوات، قام بجمع تبرعات لهذا الفيلم من أوساط صهيونية في أمريكا لتمويل الفيلم بلغت خمسة ملايين دولار . وبهذا ارتدى المشروع طابعاً سياسياً وعنصرياً من أجل إدامة صراع الحضارات ( وهو الاسم الملطف لصراع الأديان) مع اتخاذ هذا الصراع وجهة محددة هي الصراع ضد المسلمين والإسلام . ردود الفعل الأشد عنفاً وقعت في بنغازي والقاهرة، وبدرجة أقل في صنعاء وتونس . .وهذه عواصم الربيع العربي . ولا بد أن هذه الوقائع ستثير شهية محللين غربيين وغيرهم لتفحص ما جرى . غير أنه يجدر التوقف قبل ذلك عند عزم الحكومة المصرية على رفع دعوى قضائية ضد الشريط السينمائي، وكذلك ما تحدث به الرئيسان اليمني والمصري مع مسؤولين أمريكيين برفض المساس بمقدسات الغير وضرورة تحرك الإدارة الأمريكية بخطوات في هذا الاتجاه . إذ إن حرية التعبير، وهي واقع قائم بالفعل في أمريكا كما في أوروبا، إلا أنها ليست مطلقة، بدليل أن ثمة قوانين نافذة تمنع المساس باليهود واليهودية، تحت طائلة عقوبات مشددة . وتحظر حتى تناول وقائع تاريخية مثل المحرقة اليهودية . وكذلك الأمر في أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة التي تحظر نشر الكراهية، والمساس بالمعتقدات الإيمانية وأصحابها .

إن تحميل قدر من المسؤولية للإدارة الأمريكية عن مثل هذه التطورات، هو أمر مستجد وطيب في العلاقات العربية - الأمريكية، التي لم تكن تقوم على التكافؤ والاحترام الجدي المتبادل ، فالخسائر التي حدثت بما فيها مقتل السفير الأمريكي لدى ليبيا يتحمل القائمون على الفيلم القدر الأكبر من المسؤولية عنها، وهو ما يتحدث به أمريكيون عاديون من بينهم ممثلون في الفيلم سيئ الذكر إياه تحدثوا عن تغيير في سيناريو الفيلم الذي لم يكن يتضمن اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم في السيناريو الأصلي، وأنهم عازمون على رفع دعوى قضائية بعد وقوع ضحايا أمريكيين .

لقد حدث ما حدث من موجة غضب في العواصم العربية المذكورة ، لأسباب متعددة من بينها أن الأجواء ما زالت مشحونة بالروح الثورية، وهذا هو السبب الرئيس في ارتفاع منسوب الغضب في تلك المدن . لقد قُتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز في القنصلية الأمريكية في بنغازي، ولعله لم يكن مستهدفاً بذاته، إذ إن وجوده هناك وليس في مقره بطرابلس الغرب كان بمحض المصادفة . أجل كان هناك إسلاميون بين مهاجمي القنصلية في بنغازي والسفارة في القاهرة ، غير أن هؤلاء كانوا جزءاً من المظاهرات، ففي القاهرة شاركت حركة 6 إبريل ورابطة مشجعي كرة القدم . بل إن حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للإخوان المسلمين) دان أعمال التخريب وسائر مظاهر العنف، رغم أن أعضاء في الإخوان شاركوا في الحملة الاحتجاجية . والناس في غالبيتهم متدينون ويؤذيهم أبلغ الأذى أية إساءة متعمدة وحاقدة لنبيهم ودينهم، وهو ما يعرفه من انتجوا هذا الفيلم ، ولسبب شرير مثل هذا أنتجوا شريطهم .

يضاعف من ذلك أن الحديث عن إنتاج الفيلم والبدء بترويجه، قد تم في أجواء الحملات الانتخابية الرئاسية، مما يلهب حماسة أوساط أمريكية واسعة، ويفتح المجال أمام استغلال انتخابي كما فعل المرشح الجمهوري ميت رومني الذي حمل على المرشح الديمقراطي أوباما، فيما أعلن الأخير عزمه على مواصلة محاربة الإرهاب ، والفرق بين الرجلين أن أوباما دان التعدي على مقدسات الغير، بينما رأى رومني أن الاحتجاجات الشعبية العربية والإسلامية تمّت بدون سبب تقريباً! بل إن رومني وجه سهام الانتقاد لبيان أصدرته السفارة الأمريكية بالقاهرة ، وتضمن بيان السفارة انتقادات من مسؤولين أمريكيين لمقطع بُثّ من الفيلم . أي أن الأمر، أمر الفيلم، لم يكن بحسب رومني يستحق صدور أي انتقاد أمريكي، ولم يبق سوى أن يقوم هذا الشخص بتحية الفيلم والقائمين عليه . إن التعديات على العقائد والأعراق تتم بصورة واسعة في وسائل الاتصال الحديثة، والفرق هذه المرة أن التجاوزات الجسيمة انتقلت إلى إنتاج فيلم سينمائي، والاحتجاجات خرجت إلى الشارع . ومن يؤمنون بالتعددية واحترام معتقدات الغير ويناوئون العنصرية حقاً، عليهم أن يقطعوا الطريق أمام الانحرافات الخطيرة، وأن يكون من المحظور تماماً وكلياً استسهال استهداف دينٍ بعينه وعِرقٍ بذاته، فهذا هو التمثل الأوضح للعنصرية . أما نحن العرب والمسلمين فنحسن صنعاً بعدم الرد على التعصب الأسود بمثله، وأن لا يتخلق بعضنا بأخلاق حفنة المهووسين والموتورين الصهاينة ومن يدور في فلكهم، وأن نحسن استثمار القضاء ووسائل الإعلام، وإظهار الوجه الحضاري والثقافي والتنموي لبلادنا وشعوبنا، فتلك لغة عالمية تنفذ إلى سائر البشر وتفرض احترامنا على الغير .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"