سباق التسلح . . العرب يدفعون الثمن

05:36 صباحا
قراءة 4 دقائق

مهما بدت الخلافات ضيقة بين واشنطن وتل أبيب، بخصوص الملف النووي الإيراني، إلا أنها قائمة، وتندرج في ما أبداه الرئيس الديمقراطي أوباما من حذر( وليس نكوصاً) تجاه عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية مقارنة بأسلافه الجمهوريين، حيث أبدى نتنياهو قبل أيام للسفير الأمريكي في تل أبيب حنقه البالغ مما أسماه سياسة أمريكية تفتقر إلى الوضوح بخصوص طهران، على ما نقل النائب الجمهوري الأمريكي مايك روجرز الذي حضر اللقاء في تل أبيب . وللمرء أن يذهب للاعتقاد أن تظهير هذا الخلاف من طرف نتنياهو في هذا الظرف بالذات ليس مقطوع الصلة بمجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وكانت حكومة نتنياهو استقبلت بحفاوة قبل أسابيع المرشح الجمهوري رومني، وإذ بدا هذا المرشح أشد صهيونية من الصهاينة أنفسهم، فقد بدا في الوقت ذاته مرشح اليمين الصهيوني الأكثر تطرفاً، وليس مرشح الحزب الجمهوري فقط .

باراك وزير الدفاع الصهيوني لم يكتم هذه الخلافات، وذلك إثر استقباله نائب رئيس هيئة الأركان الأمريكية جيمس وينفيلد (الذي قام بزيارة سرية إلى تل أبيب تم الكشف عنها)، محتفظاً كما قال بالحق السيادي لحكومته بالتصرف . ولطالما ردد زعماء صهاينة هذه المقولة دونما تعقيب من المسؤولين الأمريكيين، الذين يمنحون هامشاً ليس ضيقاً للسلوك الصهيوني العدواني المنفرد، وخاصة في ما تسميه تل أبيب بالمسائل المتعلقة بأمنها، بما يعيد إلى الأذهان ضرب المفاعل النووي العراقي تموز في مطلع ثمانينات القرن العشرين حيث لم تحتج واشنطن، ولا فرنسا التي أقامت تلك المنشأة .

تل أبيب ترى في البرنامج النووي الإيراني خطراً داهماً عليهاً، دون أن تعترف بحق إيران وعموم دول الشرق الأوسط في اعتبار البرنامج النووي الإسرائيلي خطراً على هذه الدول وشعوبها . وقد تعرضت طهران لعقوبات منوعة من طرف واشنطن والاتحاد الأوروبي . وما زالت وكالة الطاقة الذرية تقوم بزيارات متقطعة لمنشآت إيرانية، وتبدي مزيجا من الارتياح والتوجس الشديد تجاه البرنامج الإيراني . ومؤخرا تم تصوير منشآت من الجو وقد احتجت طهران على هذا الأسلبوب واعتبرته يضرب مصداقية الوكالة .

في هذه الأثناء تقف روسيا إلى جانب إيران وتشدد على أن البرنامج سلمي، وأن التعاون قائم مع وكالة الطاقة الذرية وترفض العقوبات على طهران وتعتبرها محاولة لتطبيق قوانين أمريكية خارج الأراضي الأمريكية . ولعل الموقف الروسي هو في أساس التحفظ الأمريكي على الاستهداف العسكري لمنشآت نووية . فواشنطن تبتعد عن كل مفردات المواجهة مع موسكو، وكذلك تفعل العاصمة الروسية . وقبل أيام كان متحدث باسم الخارجية الأمريكية (باتريك فنتريل) يصف العلاقات الأمريكية الروسية بأنها جيدة ومثمرة رغم الخلافات بين الجانبين حول الأزمة السورية . أما باراك اوباما وبعد ترشيح الحزب الديمقراطي له لولاية ثانية، فقد أخذ على منافسه الجمهوري رومني من بين ما أخذه عليه، تحجر الأخير وعدم مفارقته لعقلية الحرب الباردة . وما قاله المتحدث الرسمي، ثم الرئيس المرشح الديمقراطي ينسحب على مجمل الخلافات مع موسكو بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني، حيث لا يتصور أحد أن تخاض حرب أمريكية على إيران في الجوار الروسي، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن للخروج من أفغانستان وتعتبر الخروج من العراق من أفضل إنجازاتها .

غير أن هذه الاعتبارات جميعها لا توقف السعار الصهيوني . فتل أبيب مصممة على الانفراد بامتلاك أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وفقا لنظرية خرقاء تبيح فيه الدولة العبرية لذاتها التفوق العسكري على سائر دول المنطقة، وبداعي الأمن المزعوم . .الأمن الذي يستند إلى تهديد أمن الآخرين، واستباحته كدعامة أولى له . الأمن الذي يترافق مع استمرار احتلال أرض عربية، وإنكار حق شعب فلسطين بتقرير مصيره على أرضه .

من المؤسف في هذا الخضم انه بينما الديار العربية والأجواء العربية هي مسرح لعمليات ومواجهات مفترضة، فإن الطرف العربي لا ينجح في تقديم رؤية صائبة ومشتركة إلى الأطراف الاقليمية والدولية بخصوص ملف سباق التسلح المستعر، والذي يهدد المنطقة العربية بصورة مباشرة . نعم يجري التعبير عن ذلك بمناسبات متباعدة، ولكن من دون أن يتحول إلى سياسة ثابتة تقوم على ضرورة التقيد بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وأهمية فتح كل ملف نووي ومعالجته على طريق إزالته، ووقف سباق التسلح في هذا المضمار، وعدم إخضاع هذه الملفات إلى التسييس الضيق، الذي يجيز طموحات نووية هنا ويغض النظر عنها، ويُجرّم طموحات مماثلة هناك ويُشدد النكير عليها . وهو ما يسمح بدخول مزيد من الدول إلى هذا النادي بل يسوّغ هذا الانضمام، وذلك في ظل سياسة منحازة غير نزيهة، تفتقر إلى الموضوعية، ولا تستند إلى أحكام القانون الدولي، وإلى أهمية استتباب الأمن والسلام في سائر بقاع المعمورة بغير تمييز أو أفضليات .

هكذا بينما تسخن وتيرة المواجهة السياسية حول البرنامج النووي الإيراني فإن الغائب الأكبر هو الطرف العربي، الذي يتعامل مع المجريات المتسارعة كأنها استاتيك ثابت وكأمر شبه واقع، بدل التقدم للمساهمة في تغيير المعادلات، وتصويب المسار . . وهو ما يشجع أمريكا وروسيا على عدم أخذ العامل الجغرافي السياسي العربي في الاعتبار لدى صوغ المواقف، وعلى سبيل المثال فإن موسكو إذ تقف إلى جانب البرنامج النووي الإيراني فإنها لا تبدي اعتراضات جدية ومسموعة على البرنامج النووي الصهيوني، وفي النتيجة فإنها تشجع من طرف خفي سباق التسلح الذي يهدد العرب والمنطقة العربية من مصر وبلاد الشام إلى دول الخليج .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"