من القادم إلى القارة السمراء؟

04:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
يقيم الكيان الصهيوني علاقات مع أربعين دولة إفريقية من جملة 53 دولة. هذا رغم وجود عشر سفارات «إسرائيلية» فقط في عواصم إفريقية مقابل 15 سفيراً إفريقياً في «تل أبيب». وتفسير ذلك أن هناك سفراء غير دائمين للدولة العبرية في نحو ثلاثين دولة إفريقية. وبالتالي فإن الزيارة التي أداها بنيامين نتنياهو لأربع دول هي كينيا وإثيوبيا وأوغندا ورواندا، تأتي تتويجاً لمسيرة التقرب من إفريقيا التي لم تتوقف، رغم أن العديد من الدول الإفريقية قطعت علاقاتها مع «تل أبيب» بعد حرب عام 1967 لكن هذه العلاقات لم تلبث أن عادت تدريجياً منذ أواخر السبعينات. مسيرة التقرب استغلت أوضاع القارة الاقتصادية الصعبة من أجل إرساء قاعدة مصالح مشتركة ومتشابكة ووجود دائم في هذه الدول. وزيارة نتنياهو شملت عقد لقاء «قمة» مع زعماء سبع دول إفريقية في العاصمة الأوغندية. وحضر اللقاء الذي عقد الاثنين 5 يوليو/تموز في كمبالا زعماء أوغندا وإثيوبيا وكينيا وجنوب السودان ورواندا وتنزانيا وزامبيا.
يأتي ذلك في ظل تقهقر استراتيجية التعاون العربي الإفريقي، ومع تراجعات تعانيها علاقات مصر والسودان مع دول إفريقية قريبة أو مجاورة؛ بسبب مشاكل أمنية حدودية كما هو حال السودان، أو بسبب استغلال نهر النيل في بناء سدود عليه كما هو حال مشكلة مصر مع إثيوبيا. والأهم من ذلك فإن تراجع التعاون العربي الإفريقي في المجال السياسي بالذات يعود إلى تردي الأحوال العربية، وانصراف الأطراف العربية لتحصين أوضاعها الداخلية.
نتنياهو اصطحب معه 80 من رجال الأعمال يمثلون خمسين شركة، وبشّر مضيفيه بأنه يحمل معه حلولاً لمشكلات إفريقية من خلال التكنولوجيا ومشاريع الاستثمار. ورغم مبالغات الرجل فإن لتل أبيب وجوداً حيوياً في دولة مثل إثيوبيا وكينيا ورواندا في مجال الكهرباء والماء والطاقة. علاوة على التعاون المستتر في مجالات أخرى. وتُعرف «تل أبيب» بأنها مورد سلاح رئيسي لإفريقيا، سواء للدول أم لحركات التمرد. وقد احتفظت على سبيل المثال بعلاقاتها مع جنوب إفريقيا إبّان الحكم العنصري، رغم المقاطعة الدولية شبه الشاملة آنذاك لتلك الدولة.
ليست الدول التي زارها نتنياهو أو اجتمع بزعمائها من الدول الموصوفة بالسير على طريق الديمقراطية. ولذلك ابتعد عن المفاخرة المعهودة بدولة الاحتلال الديمقراطية وبالانتماء إلى العالم الحر! وعمد الرجل بدلاً من ذلك في خطاباته خلال الزيارة إلى شن حملة مستترة على الدول الإفريقية الإسلامية التي لا تقيم علاقات مع «تل أبيب»، فتحدث عن «دول رجعية تنتمي للقرون الوسطى»، لاعباً على حبل الفروقات الثقافية والدينية بين دول إفريقيا. وفي الوقت ذاته استغلال موجة الإرهاب المتفشية، لتخويف الدول الإفريقية من علاقاتها العربية والإسلامية، مع الادعاء بأن مكافحة الإرهاب تجمع «تل أبيب» بإفريقيا.
الطموحات الصهيونية لا تقف عند حد، فقد سعى نتنياهو إلى ضمان تصويت الدول التي زارها والتي اجتمع بزعمائها للتصويت إلى جانب دولته، والمقصود على الخصوص الأمم المتحدة وجمعيتها العمومية ومنظماتها وهيئاتها من أجل كسر انحياز الأغلبية التي يمتع بها الجانب العربي أمام الدولة العبرية في هذه الهيئات، وحيث تلعب الدول الإفريقية دوراً بارزاً في تأمين هذه الأغلبية. كما سعى لأن تحتل «تل أبيب» مقعد مراقب في الاتحاد الإفريقي، أسوة بدول مثل الهند واليابان وتركيا والبرازيل؛ وذلك من أجل ضمان أكبر نفوذ (سياسي) ممكن في أعلى هيئة إفريقية، وهو ما عبّر عنه نتنياهو صراحة في مؤتمر صحفي جمعه مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا في نيروبي الثلاثاء، قائلاً: «إذا نالت إسرائيل بالفعل هذه المكانة، فإن هذا التطور سيقود إلى تغيير استراتيجي في مركز «إسرائيل» على الصعيد الدولي».
ويستذكر المرء هنا الصداقة التاريخية العربية الإفريقية التي أرست دعائمها مصر الناصرية منذ أواخر خمسينات القرن الماضي، والتي صمدت لنحو عقدين من الزمن، والتي لن تنفع حينئذ، أمام سطوة المصالح وتنميتها بصورة منهجية حثيثة، وأمام التغييرات التي وقعت في إفريقيا، وفي واقع الأمر إن تلك الصداقة التي نشأت في ظروف حركة التحرر الاستقلالية الإفريقية عن الاستعمار الغربي، هي التي دفعت زعماء صهاينة مثل ابن غوريون وغولدا مائير وشمعون بيريز، إلى التركيز على أهمية إقامة علاقات مع الدول المجاورة في الإقليم، التي تشمل الدول الإفريقية إضافة إلى تركيا وإيران.
ويبقى أن الأنظار تتجه للدول العربية الإفريقية مثل الجزائر والمغرب ومصر والسودان، كي تؤدي دورها في منع التمدد الصهيوني في عمق القارة السمراء وأطرافها، ومن الواجب أن يتعزز الحضور العربي في دول القارة عبر مشاريع مشتركة واتفاقات تعاون بعيدة المدى، وكذلك عبر تفاهمات سياسية عميقة، وعدم الاكتفاء بتقديم مالي أو دعم خيري هنا أو هناك.

محمود الريماوي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"