من وحي معرض القاهرة للكتاب

03:17 صباحا
قراءة دقيقتين
محمد عبدالله البريكي

لكل معرض كتاب رحيقه الخاص ومميزاته ومناخاته التي تجعله صاحب رسالة للأجيال، وفي معرض القاهرة الدولي للكتاب تتشكل خريطة الكتب وفق الزخم الذي تشهده دور النشر على تنوعها وغزارة موضوعاتها، ودائماً مصر تغمر زوارها بالحب وتحتضن الأشقاء العرب بالمودة، فهي عامل مشرق في مسيرة الآداب العربية، وتشارك في هذا العصر المنصات الأدبية من الدول الشقيقة وتواصل مسيرة الإبداع من خلال أدبائها وشعرائها ومثقفيها ونقادها، وقد شعرت برغبة داخلية لزيارة المعرض ومتابعة أنشطته ومحاولة التعرف إلى الأصوات الجديدة في الحركة الشعرية والاقتراب بشكل مباشر من الفعاليات الثقافية والندوات الإبداعية والتحاور مع عدد من المثقفين، حتى أتفاعل مع هذا الحدث الكبير خصوصاً أن مصر لها مكانتها في قلب ووجدان كل خليجي وعربي، فخلعت عن كاهلي كل جبة من شأنها إعاقة حركتي والالتقاء بالعابرين في دروب المعرفة، وعشت اللحظة بكل تفاصيلها مع الأصدقاء في جلساتهم على المقاهي التي تجمع الأدباء عادة في أحياء القاهرة، وهو ما جعل هذه الجلسات تحرك المواجد الأدبية وتطرح أسئلة الثقافة في الحياة العامة وتجعل كل شاعر يرمي بحمله الفكري، فكانت هذه الجلسات بمثابة ندوات مهمة تجدد المفاهيم وتحاول أن تقترب من الخطاب الشعري العصري وقضاياه التي تشغل بال المثقفين في هذا العصر.

لقد عشت لحظات ممتعة مع الأمسيات الشعرية التي تألقت فيها أصوات مجهولة على الأقل بالنسبة لي، فالقاهرة تمتلك مناخاً شعرياً صاخباً وحركة إبداعية في صفوف الشباب خاصة تنطلق من وحي تجربة حداثية في الفكرة والمضمون مع الاحتفاظ في غالب الأمر بالأساسيات الرصينة لطبيعة القصيدة العربية بالإضافة إلى شعراء لديهم حس قوي بمفهوم الحداثة.
كنت أنطلق من أمسية إلى أخرى وألتقي الشعراء المبدعين وأصحاب التجارب الجديدة الذين يستطيعون بما يمتلكون من طاقات إبداعية من التجديد في ماء القصيدة، فكنت أستمع إليهم وأستمتع بما يعبرون بالشعر عن مشكلاتهم الإنسانية ونظرتهم للواقع وتفاعلهم مع حركة تطور الأدب وهو ما يخالف القول بأن الشعراء يعيشون في السماء ولا يلتحمون بالواقع، ولم يفتني أن أتحرك بحرية وسط تلال الكتب التي تزاحمت في كل ساحات المعرض حاملة عناوينها المميزة في كل فروع الثقافة من شعر ونقد وإبداع حر ورؤى كونية للشعر ومستقبله، وهو ديدن المدن العريقة التي تقدم الكتب للعابرين حتى على قارعة الطريق، ودائماً معارض الكتب تتوهج بالشعر فهو الذي يحرك طبيعتها ويشد الشعراء إلى البوح في الأمسيات المفتوحة التي تترك المجال مفتوحاً لإلقاء الشعر والتفاعل المباشر مع الجمهور.
وفي كل الأحوال مع تداعيات الطقس البارد في القاهرة فقد عشت تجربة تستحق المغامرة والمرور على قاهرة المعز في عرسها السنوي الذي لا يدع مجالاً للنوم سوى ساعات قليلة، إذ كل لحظة يجب أن تستثمر وسط الأدباء والمثقفين حتى تكون الحصيلة في النهاية وافرة، فالاغتراف من الجمال يشدني إلى الطمع في مواصلة التفاعل مع الأمسيات ثم السهر مع الأصدقاء والتأمل في الإبداعات الشعرية المفاجئة التي تتألق بشكل عابر في جلسة غير متوقعة وسط صحبة أليفة تلتزم الحوار الحضاري في الفكر والثقافة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"