تعاون خليجي - روسي لإطفاء حرائق المنطقة

02:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
خلال العامين الماضيين استقبلت موسكو عدداً من القادة والمسؤولين الخليجيين والعرب، وجرى توقيع العديد من اتفاقيات التعاون شملت مجالات واسعة، وفي جميع المناسبات أعرب مسؤولون في دول مجلس التعاون الخليجي عن الحاجة وكذلك الرغبة في تنمية العلاقات وتطويرها مع موسكو؛ وذلك تعبيراً عن القناعة بالمكانة التي تحتلها جمهورية الاتحاد الروسي على المسرح الدولي، وإدراكاً لأهمية تطوير الصداقة مع هذا البلد الكبير في المجالات كافة. وبعض أوجه هذه الصداقة يعود إلى الحقبة السوفييتية الطويلة، وبعضها جرى تطويره عقب التحولات التي شهدتها الدولة الروسية منذ زهاء ربع قرن وانفتاحها المتزايد على سائر دول العالم. وقد جاء اللقاء الروسي مؤخراً مع عدد من كبار الدبلوماسيين الخليجيين في سياق تمتين العلاقات المشتركة، وتبادل وجهات النظر حول المستجدات في المنطقة. واستكشاف فرص المزيد من التعاون وخاصة في مجال الطاقة والاستثمارات ومواجهة مخاطر الإرهاب والشبح النووي، وبقاء القضية الفلسطينية دون حل، وأهمية شق الطريق نحو الحلول السياسية للتوترات التي تنوء بها المنطقة، ورعاية هذه الحلول بصورة حثيثة وفقاً لأحكام الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي. وبموجب المرجعيات المتفق عليها أممياً في قرارات مجلس الأمن وفي المحافل ذات العلاقة.
وبنظرة سريعة إلى الوراء إلى عام مضى، فرغم تواضع النتائج التي انتهت إليها الجهود السياسية في اليمن وسوريا على سبيل المثال، فإن هناك قناعات متزايدة بأهمية المضي في الحلول السلمية لأزمة هذين البلدين، وهي قناعة باتت تتوفر لدى أغلبية الأطراف الإقليمية والدولية، وبعد أن تبين أن لا حلول عسكرية للأزمات. وللأسف فإن العام الماضي نفسه شهد المزيد من المناورات ومحاولات التنصل من موجبات الحلول السياسية، وقد أدى ذلك إلى تعقيد فرص الحلول.
أما في ليبيا المسرح الآخر للتوترات، فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية تقدماً ملموساً نحو طي أزمة هذا البلد بإرادة الليبيين أولاً، وتفانيهم في العمل من أجل مصلحة بلدهم، وبهذا تشكلت إدارة وفاقية بقيادة فايز السراج وبدعم إقليمي ودولي واسعين، وما زالت مخاطر التفتيت والإرهاب ماثلة في هذا البلد إلا أن الإرادة الوفاقية الإنقاذية تشهد مزيداً من الالتفاف حولها من طرف الطيف الواسع من الليبيين، فيما تلقى مشاريع العسكرة الذاتية والفئوية المزيد من الانفضاض عنها، ونزع أية شرعية مزعومة عنها.
وبطبيعة الحال، فإن الاتحاد الروسي ومجلس التعاون الخليجي ليسا بعيدين عن جهود التسوية في هذين البلدين، بل يتشاركان بصورة ملموسة في شق الطريق نحو الحلول السياسية الناجعة. وما اختيار الكويت إحدى دول مجلس التعاون لاحتضان المفاوضات اليمنية إلا دليلاً على ثقة اليمنيين وثقة المجتمع الدولي بأهمية الدور الذي يؤديه مجلس التعاون في استعادة اليمن لسيادته ووحدته، وتجنيبه مخاطر الانقسام والاحتراب والتدخلات الخارجية.

أما في سوريا التي انتعشت الآمال قبل أشهر قليلة خلت بمضي أزمتها الطاحنة على طريق الحل، فإن المفاوضات بشأنها في جنيف عرفت تعثراً؛ نتيجة محاولات التنصل من المرجعيات المتفق عليها ومحاولة إضفاء تفسيرات لا تمتّ بصلة إلى فحوى تلك الاتفاقيات. وتلك نتيجة انتهاك الهدنة واستمرار الأعمال العدائية، وتحميل المدنيين ويلات الأعمال الحربية من طرف جهات عدة. وما زالت الهدنة تترنح في هذا البلد رغم الموافقة اللفظية عليها من قبل أغلبية الأطراف المتنازعة. إن هناك حاجة متزايدة لوضع حد لهذه الأزمة الطاحنة التي دخلت عامها السادس، وأدت إلى نتائج كارثية، وبعدما ثبت أن مواجهة الإرهاب تتطلب إرساء حل سياسي جدي يستخلص الدروس من الأزمة، ويتفحص أداء مختلف الأطراف منذ اندلاع الأزمة في مارس/آذار 2011، مع ممارسة ما يلزم من ضغوط لإلزام سائر الأطراف بمقتضيات الحلول، وربما يمكن استلهام بعض الدروس المفيدة من النجاح الذي تحقق في الأزمة الليبية.

ولا ريب أن موسكو تتمتع بفرصة كبيرة من أجل أن تلقي بثقلها وبالتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، من أجل حل ناجع في سوريا يضع حداً للأزمة التي استطالت، وفق المرجعية المتفق عليها والإقرار بالحق الطبيعي الثابت للشعوب في تقرير مصيرها، ومن أجل صداقة مستقبلية راسخة روسية سورية وعربية تتمسك بها الشعوب كما الدول.

حقا إن الأزمة السورية ليست المجال الوحيد للتعاون الروسي الخليجي، فهناك مجالات أخرى، وإنه لشرف كبير سوف يحظى به كل من يؤدي قسطه في تفعيل الحلول، مع ما يتطلبه ذلك من إطفاء الحرائق، ومن إجراءات ملموسة متزنة ومتوازنة.

محمود الريماوي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"