سعي أمريكي و«إسرائيلي» لتقويض السلطة!

04:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

يتضح مما نشر ومما تم تسريبه حول الصفقة الأمريكية، أنها لم تشطب القدس فقط من على الطاولة ومعها حق العودة وأغلبية الضفة الغربية وحل الدولتين، بل هناك ما يجري العمل على شطبه أيضاً بحيث لن يتبقى من القضية الفلسطينية شيء على الطاولة. فالسلطة الفلسطينية ومعها منظمة التحرير تتعرضان إلى التهديد بالشطب لاحقاً، بحيث إذا تم طرح ما يسميه الأمريكيون بالتسوية؛ فهي لن تتحدث عن الشعب الفلسطيني أو القضية الفلسطينية، بل عن السلام «الإسرائيلي» مع العرب كما قال بنيامين نتنياهو قبل أيام، حيث إن السلام ممكن مع العرب من دون الفلسطينيين على حد قوله. وانضم إليه مهندس الصفقة جاريد كوشنر، عندما تحدث في معهد للأبحاث في واشنطن قبل أيام فقال، إن الصفقة لا تأتي على حل الدولتين لأنه مسالة خلافية، وكأن القدس وحق العودة وضم أجزاء من الضفة ليست مسائل خلافية. الإدارة الأمريكية تبدو متفقة مع «الإسرائيليين» على التخلص من السلطة الفلسطينية وإفلاسها مالياً، لأن الحصار المالي على الفلسطينيين بدأ في عهد الرئيس ترامب، حيث أمر بوقف المساعدات عن السلطة أولاً ووكالة غوث اللاجئين ثم اتخذ الكونجرس قراراً بحجب أي مساعدات لأنها تصرف لأسر الشهداء والأسرى، وتبع ذلك إقرار الكنيست «الإسرائيلي» قانوناً بخصم رواتب الأسرى وأهالي الشهداء من المستحقات المالية للسلطة، وهذا أدى إلى رفض السلطة تسلم أموالها من الاحتلال إلاّ كاملة، بل وطالبت الاحتلال بتدقيق الحسابات بشكل متبادل، لأن السلطات «الإسرائيلية» تستقطع الملايين شهرياً دون مبرر ودون وجود مدقق محايد، أي أن سرقة الأموال الفلسطينية سابقة لمرحلة خصم مستحقات الأسرى وأسر الشهداء، وترفض «إسرائيل» وجود محاسب دولي لتدقيق ما تخصمه أو تسرقه شهرياً. وقد حاولت جهات أمنية «إسرائيلية» في الشهرين الأخيرين، إقناع السلطة بتسلم الأموال سرّاً لكنها أعادتها رغم أن الأزمة المالية للسلطة تفاقمت وبدأ الركود الاقتصادي واضحاً على السوق، وأخذ الموظفون يتذمرون من سوء الوضع في غياب تنفيذ قرارات القمة العربية على مدى السنوات الماضية، بتوفير شبكة أمان مقدارها مئة مليون دولار شهرياً. وتخشى الأجهزة الأمنية الاحتلالية بخلاف السياسيين وعلى رأسهم نتنياهو، من أنّ تدهور الوضع الاقتصادي سيؤدي إلى مسيرات نحو مواقع الاحتكاك مع الاحتلال وبداية انتفاضة أكثر عنفاً واشتباكات دموية تكون الخسائر فيها متبادلة.
السيناريو الأسوأ الذي تتوقعه الأجهزة الأمنية الاحتلالية، هو انهيار السلطة، ما يجلب حالة من الفوضى وانتشار العمليات المسلحة بشكل لا يمكن السيطرة عليه، مع تداخل المستوطنات والقرى والمدن الفلسطينية. ويبدو أن نتنياهو بات يحبذ انهيار السلطة لأنه قد يختلق بديلاً يأتمر بأمره ويقبل الصفقة.
حتى الآن لا يوجد حل وسط للأزمة المالية بين الاحتلال والرئاسة الفلسطينية، المتمسكة بموقفها برفض خصم أي فلس من أموالها أو الانتقاص من رواتب الأسرى وأسر الشهداء، لأن الموافقة على خصم المخصصات، فيه اعتراف بالرواية الأمريكية والاحتلالية من أن السلطة تدعم منفذي العمليات التي تصفها بالإرهابية، وفي هذا الطرح اتهام للنضال الفلسطيني على مدى العقود الماضية بأنه إرهاب. وطبقاً للتحليلات «الإسرائيلية» فإن الكثير من المحللين يحمّلون حكومة نتنياهو، مسؤولية ما يحدث في الجانب الفلسطيني وما سيحدث لاحقاً، لأن الاحتقان السياسي وعدم وضوح أفق سياسي، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الحالية المرشحة للتفاقم، حيث لن يجد الفلسطينيون أي مكسب لهم، فإن الوضع في الضفة سينفجر بعنف لا سابق له، لأن التعبئة الشعبية تكون ناضجة إذا توفرت هذه الظروف القاسية، يضاف إلى ذلك أن وكالة غوث اللاجئين التي تتولى رعاية قطاعات التعليم وغيرها في المخيمات، بدأت تعاني من نقص التمويل. وفي نهاية الصيف ستعلن عن خواء خزينتها بسبب الحصار المالي عليها.
حكومة اليمين الجاري تشكيلها في «إسرائيل»، ليست معنية ببقاء السلطة الفلسطينية حالياً، لأنها تريد فرض السيادة الاحتلالية على الأرض كاملة وإخضاع الفلسطينيين لنظام الفصل العنصري، وهو ما سيرد ولو جزئياً في الصفقة الموعودة، لأن الأمريكيين أيضاً يبحثون عن بديل للسلطة، ولسان حالهم يردد ما سبق أن قاله بريجينسكي في السبعينات من القرن الماضي «باي باي منظمة التحرير»، لكن بريجينسكي عاد وندم لأنه قال ذلك، فالمنظمة بقيت وستبقى طالما هناك أرض محتلة ومخيمات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"