هل يستيقظ المشروع القومي العربي؟

03:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. مصطفى الفقي

تلقيت دعوة من مجلس النواب المصري لإلقاء محاضرة على ضيوف ندوة يعقدها بمناسبة اجتماع اتحاد البرلمانات العربية، وقبلت أن أكون متحدثاً وحيداً في الجلسة الأولى التي يترأسها زميلي السفير محمد العرابي وزير الخارجية الأسبق، ولقد طرحت في ذلك اللقاء شديد الحساسية، بالغ الصعوبة، أطروحات واضحة تمثل قناعاتي بالنسبة للعمل العربي والواقع المعاصر في المنطقة، وطبيعة الضغوط ونوعية التدخلات التي يتعرض لها العرب في هذه المرحلة.
ولقد ألقى النائب البرلماني سعد الجمال كلمة ترحيب نيابة عن الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب المصري، الذي حال ارتباط مفاجئ دون حضوره لهذه الندوة ، وقد بدأت حديثي مع الزملاء البرلمانيين من مختلف الأقطار العربية، مؤكداً أن هناك أموراً تستوجب الاهتمام وتستحق كل العناية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية باعتبارها قضية القضايا، ومركز الاهتمام في كل ما يتعلق بالشأن العربي، وذكرت بوضوح أن القضية تتعرض لمحاولات التصفية النهائية، رغم البسالة غير المسبوقة في التاريخ المعاصر والتي يُبديها الشعب الفلسطيني نضالاً ويدفع ثمنها دماً، على امتداد ثمانية عقود على الأقل، وقلت إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والتضييق الكامل على وكالة الغوث (أونروا)، مع الإعلان الأمريكي بحق «إسرائيل» في إقامة مستوطنات كما تشاء.. كلها في مجملها شواهد حاسمة على النكوص الأمريكي الشديد عن حل الدولتين، كما أنها تعني أن الانحياز الأمريكي أصبح سافراً بلا حياء، فاضحاً بلا مواربة؛ لأن «إسرائيل» تسعى لحل القضية الفلسطينية على حساب أراضٍ عربية في دول الجوار، دون أن تتكبد هي أية خسارة ولو لمتر مربع من الأراضي التي اغتصبتها.
وقد وافقني معظم الحاضرين على ما قلته، خصوصاً أنني أردفت بعد ذلك في إشارة إلى المسألة الثانية من حيث الأهمية، والتي حددتها بأنها الحفاظ على عروبة العراق، فالعراق التراث والتاريخ والدولة والشعب هو ركن ركين في الجناح الأيمن للأمة العربية، فضلاً عن أنه بلد يجمع بين العراقة الحضارية والثروة النفطية، مع وفرة المياه والتربة الخصبة والكوادر البشرية ذات التدريب الجيد، ويكفي أن نتذكر أن العراق كان يمتلك سلاح طيران متميز، إضافة إلى أن العراقي شديد المراس لا يلين بسهولة ولا يقبل أن يُملي عليه غيره، فهو شعب أبي له إسهام ضخم في الحضارة العربية الإسلامية.
وقد حذرت بوضوح من استخدام اختلاف الطوائف الإسلامية للتفرقة ولتمزيق البقية الباقية من كيان تلك الأمة الصامدة، ثم أشرت بوضوح وعن يقين كامل، إلى أن الجيش المصري استطاع في عام 2018، أن يقترب من مرحلة الحسم النهائي في معركته على الإرهاب وفلوله الباقية، كما عبرت عن الارتياح العام لحركة التحديث التي تمضي فيها السعودية، على اعتبار أن ذلك سيكون رأس حربة لتيار الحداثة الذي ينبغي أن يسود في أوطان العالمين العربي والإسلامي، وأكدت أمام الحاضرين أن الموقف المصري من المأساة السورية هو أشرف المواقف على الإطلاق، فمصر لم تتربح به ولم تقايض عليه، ولم تتاجر به، كما لم تكن لها أجندة خاصة على حساب الشعب السوري مثل إيران وتركيا و«إسرائيل» بالطبع. وقد تمكنت القيادة السياسية المصرية من وضع المسألة السورية في إطارها الصحيح، وكان الذي يعنيها فقط هو سلامة الشعب السوري ورفع المعاناة عنه، حتى إن الدبلوماسية المصرية وافقت ذات يوم على قرارين مختلفين في يوم واحد بالأمم المتحدة، عندما كان القاسم المشترك بينهما هو السعي إلى تخفيف وطأة المعاناة عن الشعب السوري؛ رائد الحركة القومية الذي غادره ملايين اللاجئين يضربون في الأرض، بعد أن كان بلدهم هو الملجأ والملاذ والموطن لكل من يسعى إليه، فإذا انتقلنا إلى الجناح الغربي للأمة العربية، فإن الوضع في ليبيا يتصدر الأمر برمته ويبدو شديد التعقيد، حيث عبثت فيه أطراف متعددة بعضها عربي وبعضها الآخر أجنبي، كما أنها تحولت في بعض أجزائها إلى بؤرة لتجمع الإرهابيين، فضلاً عن عمليات تسريب السلاح عبر حدود مصر واستخدامه في عمليات إرهابية ضد الشعب المصري الذي يقدم كل يوم قافلة جديدة من الشهداء، دفاعاً عن الوطن وترابه المقدس، ثم شرحت للسادة النواب العرب الوضع الإقليمي في مجمله، والوضع الدولي الذي ينذر بأخطر العواقب وأسوأ السيناريوهات، وقد اختتمت محاضرتي بالإشارة إلى عدد من الإيجابيات التي طرأت على البيئة السياسية في المنطقة العربية، من أجل تعزيز مسيرة الديمقراطية وفتح أبواب الأمل أمام الأجيال الجديدة، كما أن المحاضرة لم تكن دراسة مسحية تتناول كافة الدول، ولكنها كانت انتقائية تختار بعضاً مما يحدث حتى أعطي انطباعاً بخطورة الموقف وصعوبة المسيرة، وقد استقبل الحاضرون الأفكار المتجددة في ذلك اللقاء القومي الشامل، بتساؤلات ذكية وتدخلات عميقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"