اتفاق تهدئة أم هدية للاحتلال؟

02:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

فيما تتواصل فعاليات النضال الشعبي الفلسطيني، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولاسيما في قطاع غزة، الذي يشهد مسيرات متواصلة كل يوم جمعة،من أجل كسر الحصار «الإسرائيلي»، ورفع المعاناة عن أبناء القطاع المحاصر ظلماً وعدواناً، تتكشف الأمور عما سمي باتفاق التهدئة، بين «إسرائيل» وحماس، تحت عنوان «تخفيف الحصار»، لأن ما رشح عن بنود هذا الاتفاق المنشود، لا يقود أبداً إلى أن هناك رفعاً للحصار المضروب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة،وإنما هناك مشروع تهدئة يهدف «الإسرائيليون» من ورائه إلى إراحة الاحتلال، وتخفيف الأعباء التي فرضتها فعاليات النضال الشعبي الفلسطيني، من خلال المظاهرات،وإطلاق الطائرات الورقية والبالونات المشتعلة، نحو الأراضي المحتلة،ولاسيما باتجاه المستوطنات المحيطة بالقطاع،وهو ما أرهق الاحتلال باعتراف قادته،وتسبب بإحراق عشرات وربما مئات الدونمات من الأراضي الزراعية، ناهيك عن حالة القلق التي أثارها هذا الحراك الشعبي المشروع في نفوس المستوطنين.
ولو عدنا إلى البنود المعلنة في اتفاق التهدئة المذكور، لوجدنا أنه لا يختلف كثيراً عن الاتفاقات السابقة، التي عمل الاحتلال «الإسرائيلي» على نسفها،كلما رأى في ذلك مصلحة له،ولو في إطار الحملات الانتخابية،أو محاولات حرف اهتمام الداخل «الإسرائيلي»، عن قضايا الفساد التي يتورط بها مسؤولون «إسرائيليون»، ولا سيما رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.
وقراءة بسيطة لبنود الاتفاق التي تسربها وسائل الإعلام «الإسرائيلية» أو غيرها، تظهر بوضوح أنه لا يعدو مسرحية هدفها كسب الوقت بالنسبة للقيادة «الإسرائيلية»، وتخفيف الضغط عن الاحتلال، وفتح الباب أمام مفاوضات طويلة تعيد إلى الأذهان مفاوضات أوسلو وما بعدها، التي انتهت إلى تنصل «إسرائيل» من معظمها، لتبقي على هياكل سلطة فلسطينية مشلولة وعاجزة عن فرض شروطها، أو حتى عرقلة مشاريع التوسع الاستيطاني «الإسرائيلي» في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ومن يقرأ التاريخ جيداً، ولاسيما تاريخ المفاوضات «الإسرائيلية»- العربية، التي أعقبت حرب السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1973 ومفاوضات السلام التي بدأت في مدريد في أوائل التسعينات من القرن الماضي، مروراً بمفاوضات أوسلو وكامب ديفيد،وحتى يومنا الحالي،يرى أن هدف «الإسرائيليين» من أي مفاوضات لم ولن يكون التوصل إلى اتفاق، وإنما كسب الوقت لمعالجة أزمة أمنية أو سياسية ما، وأنه سرعان ما تستعيد «إسرائيل» أنفاسها وتخرج من أزمتها تعود إلى تنفيذ أجندات وضعتها بمعزل عن أي اعتبار للطرف الآخر،وفقا للمصالح «الإسرائيلية» التي تتعارض والسلام في هذه المنطقة.
وبالعودة إلى لاتفاق التهدئة، فقد كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية عن موافقة المجلس الوزاري «الإسرائيلي» المصغر «الكابنيت» على هدنة مع حركة «حماس»، تتضمن 6 بنود رئيسية ستطبق تدريجياً خلال الفترة المقبلة.
وحسب موقع الصحيفة الإلكتروني، فإن الهدنة التي تشرف عليها مصر ومبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، دخلت مبدئيا حيز التنفيذ بعد أن فتحت «إسرائيل» معبر «كرم أبو سالم» التجاري الأربعاء مع غزة، ووسعت مساحة الصيد البحري هذا الأسبوع.
ونقلت الصحيفة عن ثلاثة مسؤولين «إسرائيليين» لم تسمهم، أن البنود الستة تتضمن أولا وقفا شاملا لإطلاق النار، وثانيا فتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد البحري، وهو ما تم تحقيقه حتى الآن.
وبينت الصحيفة أن البنود الأخرى سيتم تنفيذها تباعا بالارتباط مع حالة الهدوء واستمرارها، وأنها تتضمن إدخال مواد طبية ومساعدات إنسانية إلى غزة، والعمل على إجراء ترتيبات خاصة لحل قضية الأسرى والمفقودين «الإسرائيليين» في غزة، وإعادة تأهيل البنية التحتية لغزة بتمويل أجنبي، ومن ثم بحث قضيتي المطار والميناء.
وأشارت إلى أن الموافقة على قضيتي الجنود والمطار والميناء ليست نهائية، وإنما ستتم مناقشتها في وقت لاحق، في حال نفذت البنود الأخرى.
وبغض النظر عن مدى صوابية قرار التهدئة مع الاحتلال، من عدمها،والجدل المثار بهذا الشأن، إلا أن هذه التهدئة، تعيد إلى الأذهان اتفاقيات فصل القوات بين القوات العربية و«الإسرائيلية»، في أعقاب حرب تشرين، والتي انتهت إلى هدنة مزمنة مع الاحتلال،أو اتفاقيات «سلام» خدمت المشروع «الإسرائيلي» التوسعي ليس إلا.
أخيراً يمكن القول: إن أي اتفاق تهدئة مع الاحتلال مهما كان نوعه،يقدم خدمة مجانية له، ولا يمكن أن يسهم في تطوير النضال الوطني الفلسطيني،الهادف إلى تحرير الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني من نير الاحتلال «الإسرائيلي»،خاصة إذا تم خارج الإجماع الوطني الفلسطيني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"