الوضع الفلسطيني واحتمالات التصعيد

02:50 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

قبل أسابيع قليلة من الانتخابات «الإسرائيلية» تبدو الأوضاع في طريقها إلى الانفجار. وبالرغم من أن جيش الاحتلال أعلن جاهزيته لأية عملية كبيرة ضد غزة، فإن المحللين «الإسرائيليين» والأجهزة الأمنية صعّدت من تحذيراتها من انفجار الأوضاع في الضفة التي هي أخطر في نظرهم من غزة.
في حالة غزة كان رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو يبحث عن رواتب لموظفي حماس منذ فترة؛ خشية التصعيد على السياج الحدودي في خضم الانتخابات، ويبدو أن قطر التي صرفت دفعات سابقة تستعد لدفعة جديدة مع وصول مساعد الممثل القطري تمهيداً لوصول محمد العمادي الذي ينقل الأموال عادة، وقد طلبت حماس تدخل مصر باعتبار أن مطالبها من الاحتلال مقابل الهدوء لم تتم تلبيتها، فوصل وفد من المخابرات المصرية إلى غزة عن طريق مطار اللد، بينما كان في السابق يصل عن طريق رام الله، وأجرى لقاءات مع مسؤولين «إسرائيليين» في المطار، ونقل أجوبة «إسرائيلية» لحماس حول الهدوء والأموال وتخفيف الحصار. فمصر تريد نزع فتيل التوتر المتجدد؛ لأن أي تدهور في الوضع سيخرج عن السيطرة، بينما رئيس حكومة الاحتلال يحاول عدم التصعيد مع اقتراب موعد الانتخابات؛ حتى لا يفقد السيطرة على الوضع، لكنه يلبي مطالب اليمين بالتصعيد في الضفة الغربية لحصد أصوات مترددة في الانتخابات؛ حيث إن موازين القوى تشير إلى تعادل اليمين وأحزابه مع تكتل الوسط وأحزابه.
وقد حدد نتنياهو والأحزاب المنضوية تحت راية اليمين عدة أهداف قبل الانتخابات، أولها احتجاز رواتب عائلات الأسرى والشهداء من الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، وثانياً التمهيد لإخلاء قرية الخان الأحمر شرق القدس بالقوة، وثالثاً العمل على إعادة إغلاق باب الرحمة في المسجد الأقصى والسيطرة عليه، مع السماح للجمعيات الاستيطانية بالدخول لبناء كنيس يهودي. ويعتبر باب الرحمة من أجمل أبواب سور القدس معمارياً، وقد أغلقه الاحتلال منذ 2003، وأعاد المقدسيون فتحه مؤخراً بعد محاولات الجماعات الاستيطانية السيطرة عليه.
كان اليهود يعتقدون أن مسيحهم المنتظر سيدخل المسجد الأقصى من باب الرحمة إلى جنوب المسجد، وحولت الجماعات الاستيطانية هدفها نحو الباب؛ لأن أمامه مصلى ومساحة واسعة تبلغ أكثر من عشر دونمات، ويتم الصعود عبر درج نحو قبة الصخرة مباشرة. وقد أشرنا إلى هذه الخرافات المتحركة وفقاً للأطماع الاستيطانية للتأكيد على تكييف المعتقدات الدينية، وفقاً للأهداف السياسية.
بالطبع لا يمكن مناقشة هذه الخرافات عقلياً؛ لأنها زاد الجماعات والتيارات الاستيطانية التي تجد لها صدى لدى الكنيسة الإنجيلية التي تحكم الآن في واشنطن، ويلتف حولها اليمين اليهودي مع الأمريكي.
لكن المس مجدداً بباب الرحمة يعني انفجار الوضع في القدس رغم سياسة القمع التي يمارسها الاحتلال في المدينة منذ سنوات، والتي تصاعدت مؤخراً بحيث تم إبعاد العشرات من النشطاء، واعتقال قرابة 220 شاباً، والتحقيق مع وزير شؤون القدس ورئيس المجلس الإسلامي ومحافظ القدس.
يضاف إلى ذلك، أن السلطة الفلسطينية التي تعتمد على ضرائب المقاصة والجمارك التي يجبيها الاحتلال عبر الموانئ عن الواردات الفلسطينية وجدت نفسها في مأزق مالي؛ حيث استطاعت فقط صرف رواتب عائلات الشهداء والأسرى، وتحاول الاقتراض من البنوك التي لن تستطيع تلبية بقية الرواتب، حيث ترفض السلطة تسلم أموال المقاصة كاملة، وهذا يعني أنها لن تصرف رواتب موظفيها إلا جزئياً، ما ينعكس على الوضع الاقتصادي، ويخلق حالة من عدم الاستقرار تنتقل إلى الشارع، ثم إلى التصعيد ضد الاحتلال.
لا أحد يعلم إلى أين ستتجه الأمور، لكن هناك من يحاول تنفيس الأزمة، سواء من جانب مصر في غزة، أو من جهات أمنية أمريكية ودبلوماسية أوروبية تحاول إقناع الاحتلال بالإفراج عن الأموال الفلسطينية كاملة، لكن حسابات نتنياهو الانتخابية تبقى لها الأولوية، وعلى ضوئها يقرر إما التصعيد على الجبهتين وإما التبريد، إلا أن احتمالات التصعيد تبدو أكبر في الضفة على الأقل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"