أوهام الهدنة في الصراع الطائفي

01:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

إصدار المواثيق من مثل ميثاق صحافة من دون طائفية أو ميثاق مواقع الكترونية بلا طائفية هي تعبيرات نبيلة ولكنها ليست أكثر من عقد هدنة إبان حرب عبثية، إنها فترة راحة واسترخاء للمحاربين مع إبقاء لنيران الحرب تحت الرماد، إنها حتماً مفيدة ولكنها حتماً غير كافية لمنع اشتعال الحرب من جديد.

وعليه فقضية الحرب الطائفية بين المذاهب الإسلامية هنا وهناك، والتي اصبحت أداة تخريب وإضعاف في يد القوى الإمبريالية الخارجية ويد الانتهازية السياسية الداخلية، تحتاج إلى خطوات مواجهات وحلول جذرية أخرى.

* أولاً: هناك ضرورة لإزاحة من يشعلون الشرارات الأولى للحروب الطائفية من ساحات الحياة العامة، ذلك أن لا هدنة ستصمد قط بوجود هؤلاء في مراكز اتخاذ القرار أو مراكز التواصل مع الجماهير، إن قادة السياسة والإعلام وعلماء الفقه الذين يستعملون منابر ووسائل الاتصال بالجماهير من أجل تأجيج المشاعر الطائفية يجب أن يعزلوا عزلاً مدنياً يجعلهم جرثومة غير قابلة للانتشار، ذلك أن تأثير هؤلاء أكبر وأخطر بكثير من مقال صحافي هنا أو رسالة على شبكة الانترنت هناك، ومن هنا فإن عزلهم إعلامياً من خلال تلك المواثيق يساعد على تثبيت الهدنة ولكنه لا ينهي الصراع.

* ثانياً: إن المواجهة الجذرية لظاهرة الطائفية تستدعي إحداث تغيير جذري في أسس وأدوات الثقافة العربية الإسلامية عند قادة الرأي والفعل الاجتماعي وعند جموع الناس العاديين، فقضية الطائفية هي مسألة ثقافية أولاً، ثم مسائل اجتماعية وسياسية ثانياً، وهي إضافة إلى أنها قضية ثقافية عامة، فهي كذلك قضية ثقافية خاصة تتجسد في ثقافة الفقه.

دعنا نوضح ما نعنيه بكل ذلك، إن قضية الثقافة العربية الإسلامية بعامة، والتي بحثت بإسهاب منذ منتصف القرن التاسع عشر، تواجه نواقص مفصلية في مكوناتها وأساليب تعاملها مع الواقع، ومشكلة تلك الثقافة هي إنها ترفض أن تشب عن الطوق وتستقل بذاتها، فهي في بعض من وجوهها محكومة بمنطق ثقافة ذاتية ولكن سلفية تاريخية تكونت لتعالج واقع مجتمعات إسلامية وعربية لم تعد موجودة، وهي في وجوه أخر محكومة بمنطق ثقافة غير ذاتية، ثقافة الغرب في الأساس، التي تكونت لتعالج واقع مجتمعات أخرى غير مجتمعاتنا، لكن الهيمنة الحقيقية الراسخة هي التي تمارسها ثقافة الفقه على الثقافة العامة مما جعل المفكر محمد عابد الجابري يصف الحضارة العربية الاسلامية بأنها حضارة فقه.

* ثالثاً: من الطبيعي إذن أن تصاب الثقافة الخاصة الفرعية المهيمنة، ثقافة الفقه، بأعراض نواقص الثقافة العامة، فكلاهما صدرا من عقل واحد وتأثرا بواقع واحد. من هنا فإن ثقافة الفقه هي أيضاً مشدودة فكراً ومنهجاً للماضي مما يجعلها تتعامل مع المسألة الطائفية بفكر ومفردات ومنهج ماضوي. لنلاحظ غلبة ذلك الماضي في نوع التعابير والكلمات المتداولة في ساحات الثقافة العامة والفرعية، إن كلمات وتعابير من مثل البدع والفتنة والروافض والمظلومية والخارجين على الجماعة والكارهين لآل البيت والعصمة والحصانة للرموز الدينية والسياسية في التاريخ وفي الحاضر والفرقة الناجية ونقائها والمرجعية الروحية إلخ.. هي التي أصبحت سائدة في الوسط الجماهيري ومؤثرة في تكوينه، هذا بينما التعابير المرتبطة بمشكلات واقع الأمة الحالي ومستقبلها من مثل الطبقية والمواطنة والنضال الجماهيري وحقوق الإنسان وحقوق المرأة العربية تبقى منزوية في وسط النخب.

المطلوب إذن هو ثقافة عربية إسلامية، بما فيها ثقافة الفقه، تفكر بعقل مختلف وتتعامل مع الواقع بأساليب جديدة وتعبر عن نفسها بمفردات قضايا العصر العربي الحالي وتنجح في دخول عقول وقلوب الناس العاديين. تجديد ثقافتنا لإبعادها عن التلهي بمشكلات الماضي ولجعلها تنغمس في قضايا الحاضر هو المخرج العميق الشامل لإنهاء الحروب الطائفية والقفز فوق أوهام فترات الهدنات المؤقتة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"