كونفدرالية أم تنازلات جديدة؟

04:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

من الطبيعي أن يفتش الفلسطينيون عن حل لقضيتهم العادلة، تعفيهم من عذابات الاحتلال والقهر والتشرد والتشتت السياسي، التي يعانيها الشعب الفلسطيني، في ظل الضعف والعجز العربيين. وقد يكون الشعب الفلسطيني من أكثر الشعوب توقاً إلى السلام، نظراً للفاتورة الثقيلة التي ما انفك يدفعها من دم أبنائه، على مدى عشرات السنين، لكن من غير الطبيعي أن تقود هذه الرغبة الفلسطينية بالسلام، البعض، إلى التفكير بحلول سياسية، تشبه عملية القتل الرحيم للقضية الفلسطينية، بحجة البحث عن السلام، وطرح مشاريع تصفوية للحقوق الفلسطينية، تُفَصَّل على المقاسات «الإسرائيلية» والأمريكية!
فالبحث عن السلام والتحرير شيء، وتقديم التنازلات التاريخية، والتفريط بالحقوق تحت «يافطة» البحث عن السلام شيء آخر.
هذا ما يمكن استنتاجه في الواقع، على ضوء ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخراً حول اقتراح أمريكي لإقامة دولة كونفدرالية بين الفلسطينيين والأردن، وما أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال لقاء جمعه مع نشطاء من اليسار «الإسرائيلي»، وعدد من النواب اليساريين في الكنيست، من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اقترح عليه إنشاء دولة كونفدرالية مع الأردن.
وحسب صحيفة «هآرتس»، فإن «عباس أكد لترامب أنه سيوافق على ذلك في حالة واحدة فقط وهي إذا قبلت «إسرائيل» بأن تكون جزءاً من هذه الكونفدرالية».
ومع أن موافقة الرئيس الفلسطيني على إقامة كونفدرالية مع الأردن، أمر قد ينسجم ظاهرياً والعلاقة الأخوية والتاريخية التي تربط بين الأردنيين والفلسطينيين، إلا أن طرحاً كهذا من قِبَل الإدارة الأمريكية، الأكثر تطرفاً في التاريخ الأمريكي، والأكثر عدائية للشعب الفلسطيني، وحقوقه التاريخية، يجب أن يدفعنا إلى الحذر، خاصة أن هذا الطرح الأمريكي يأتي في وقت، انكشف فيه الموقف الأمريكي المعادي للحقوق الفلسطينية، حتى على فاقد البصر والبصيرة.
ومع أن تصدر الإدارة الأمريكية في مشهد محاولات تصفية القضية الفلسطينية، أمر طبيعي، نظراً لمحددات السياسة الأمريكية المعادية للحق الفلسطيني، والتي كان آخر تجلياتها الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، ومحاولات واشنطن شطب حق العودة، إلا أن المؤسف هنا هو أن تخرج علينا شخصيات فلسطينية، للتنظير لمثل هذه الحلول التصفوية للقضية الفلسطينية العادلة.
فقد كشف الكاتب «الإسرائيلي» أوري زافير في تقرير نشره موقع «المونيتور» المعني بشؤون الشرق الأوسط، إحدى «المبادرات الفلسطينية» التي تقترح تشكيل اتحاد كونفدرالي فلسطيني- أردني، والتي تقدم بها سري نسيبة، الرئيس السابق لجامعة القدس في أبوديس بالضفة الغربية.
وبحسب زافير فإنه «نظراً للجمود السياسي التام فيما يتعلق بحل الدولتين بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين، بدأت بعض الشخصيات الفلسطينية في التفكير بأفكار لمبادرات سياسية «خارج الصندوق» تؤدي إلى تحقيق «الاستقلال الفلسطيني» وهو الاتحاد الكونفيدرالي.
وعلى الرغم من أن نسيبة يدعم تأسيس اتحاد كونفدرالي أردني - فلسطيني على أساس دولتين مستقلتين مع صلات مؤسسية قوية بينهما، حسب مصادر مقربة منه، فإن طرحاً كهذا مستغرب في مثل هذا الوقت العصيب الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، خاصة أن ما تسرب يشير إلى أن الأستاذ الجامعي الفلسطيني يبرر موقفه هذا بالاعتماد على مصداقية قوات الأمن الأردنية فيما يتعلق بتهديد (داعش) في نظر الفلسطينيين و«إسرائيل» والولايات المتحدة.
وفي التفاصيل، يشير تقرير زافير إلى أن من المقترحات التي تم طرحها في هذا الإطار أن تتفاوض السلطة الفلسطينية والأردن على مثل هذه المبادرة، على أساس مبادرة السلام العربية لعام 2002، كما ستتعلق المفاوضات بخطوط 1967 باعتبارها الحدود الغربية للاتحاد في المستقبل وإلى القدس الشرقية، باعتبارها واحدة من العاصمتين معاً مع عمان.
والحقيقة أننا لو تمعنا جيداً في المخاطر الجمة التي قد تلحق بالقضية الفلسطينية، جراء هذا التوجه، لوجدنا أنه يحمل في طياته مقتلاً حقيقياً للقضية الفلسطينية، لأسباب كثيرة لعل أهمها أن الكونفدرالية، يجب أن تقوم، إن أريد لها ذلك، بعد تحقيق الاستقلال الفلسطيني، وألا تكون غطاء لاستمرار الاحتلال بطرق أخرى، ناهيك عن المخاطر الاقتصادية، إذا ما كانت «إسرائيل» طرفاً فيها كما يرغب الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
والحقيقة المؤسفة هي أن البعض يحاول تمرير هذه الأفكار والمقترحات استناداً إلى أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات اعتاد أن يعلن على الملأ دعمه لتشكيل كونفدرالية مع الأردن، لكن هؤلاء نسوا أو تناسوا أن عرفات كان يشترط أولاً إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، قبل الولوج في فكرة الكونفدرالية مع الأردن، وعليه فإن هكذا طروحات لا تعدو كونها تصفية للقضية الفلسطينية على مراحل ليس إلا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"