أقصى ضغط.. أقصى فشل

03:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

ارتبطت السياسة الخارجية الأمريكية على الدوام بالاتجاه لفرض عقوبات على الدول، والأفراد، والمؤسسات، كأداة لتحقيق أهدافها، وتلبية متطلبات الأمن القومي. واعتبرتها الإدارات المتعاقبة وسيلة فعالة، وآمنة، لكونها أقل تكلفة ومخاطرة من الحرب، وفي الوقت نفسه أكثر فاعلية، وتأثيراً من المباحثات الدبلوماسية، أو الحملات الإعلامية.
وفي السنوات الأخيرة، توسعت الولايات المتحدة في استخدام سلاح العقوبات، إلى أن جاء الرئيس دونالد ترامب، فأسرف في اللجوء إليه على نحو لم يحدث من قبل. ويبدو أنه وجد فيه ضالّته المنشودة كبديل للحروب الخارجية التي تعهد بعدم التورط فيها.
وينقسم الأمريكيون عموماً، بشأن فاعلية العقوبات كأداة لهزيمة أو ردع الأعداء، أو الضغط على الأصدقاء، خاصة في ظل غياب دراسات شاملة تصدر حكماً حاسماً. وقد حاول مركز «الأمن الأمريكي الجديد»، وهو مؤسسة بحثية مرموقة سد هذه الثغرة بتدشين ما وصفه بمشروع تعقب بيانات العقوبات في الفترة من 2009 إلى 2019، وهو لا يحكم على مدى نجاحها، مكتفياً في هذه المرحلة برصدها إحصائياً، وتصنيفها من حيث الأطراف المستهدفة، ونوعية الإجراءات الانتقامية.
وتشمل العقوبات في العادة حظر السفر، أو تجميد الأصول، أو القيود التجارية والاقتصادية، أو حظر التسلح. وهي تستهدف، وفقاً للدراسة، الأفراد والكيانات، بما فيها الدول والمؤسسات، وغيرها، وشركات الشحن البحري، والطيران.
وتوضح الدراسة أن 2018 كان أكثر الأعوام التي لجأت فيها واشنطن لفرض عقوبات بواقع 1457 إجراء، مقابل رفع 41 إجراء عقابياً فقط، ليكون بذلك أقل الأعوام التي تبدي فيها تسامحاً. بينما ألغت إدارة الرئيس السابق أوباما 1026 إجراء عقابياً في عامها الأخير، ليكون أكثر أعوام التسامح الخارجي.
أما المستهدفون، وأولهم الأفراد، فكان 2017 عام الذروة، وفيه تم فرض عقوبات على 593 شخصية أجنبية، ثم الكيانات، وأسوأ أعوامها كان 2016 وسجل معاقبة 378 جهة. ووفقاً لموقع وزارة الخزانة الأمريكية فهناك 32 برنامجاً عقابياً تتضمن كل الإجراءات الانتقامية.
ومع إظهارها إسراف ترامب في استخدم العقوبات، لم تذكر الدراسة بالطبع، أنه بجانب العقوبات العادية، استحدث ما وصفه «بأقصى ضغط»، وهي عقوبات بالغة الشدة والضرر فرضها حتى الآن، وإن بدرجات متفاوتة، على ثلاث دول، هي إيران، وكوريا الشمالية، وفنزويلا.
ولصحيفة «واشنطن بوست» مساهمة مهمة في تقييم فاعلية هذا النمط الشرس من العقوبات. وخلاصة قولها إن ما اعتبره ترامب «أقصى ضغط» أسفر في النهاية عن أقصى فشل، فلم تحقق الإجراءات القاسية والمؤلمة التي فرضها على الدول الثلاث نتيجة تذكر.
بالنسبة إلى كوريا الشمالية، كان الهدف أن تتخلى عن ترسانتها النووية، ولم يحدث ذلك، بل ربما تكون طوّرتها. الأمر نفسه مع إيران التي لم تتراجع عن تدخلاتها الإقليمية، بل كثفتها، ولم توقف برامجها النووية، أو الصاروخية. وفي فنزويلا لم يسقط الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو، بل أحكم قبضته على السلطة.
ويحدد الكاتب جاكسون ديل، في مقال له في الصحيفة، ثلاثة أسباب لفشل سياسة ترامب العقابية؛ الأول أنه حدد منذ البداية أهدافاً فضفاضة، وغير واقعية. فكان من الخطأ افتراض تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها، أو تغيير سلوك إيران بصورة جذرية، أو إسقاط مادورو.
السبب الثاني أنه لم يفهم خريطة التحالفات الدولية، وافترض أن العقوبات ستكون كافية من دون حشد دولي. لذلك غاب عنه أن الصين لن تتخلى عن كوريا الشمالية، وتجاهل تمسك روسيا بحليفها الفنزويلي الذي يتولى تصدير نحو 70% من بتروله للإفلات من الحظر الأمريكي. بينما رفض الحلفاء الأوروبيون الانضمام إليه بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، أو فرض عقوبات جديدة عليها.
السبب الثالث أنه تصور أن العقوبات الاقتصادية ستلوي ذراع قادة هذه الدول، متوهماً أن المشاكل التي ستسببها ستحرجهم، وستنقلب شعوبهم عليهم.
باختصار، كما يقول ديل، عندما يكتبون تاريخ السياسة الخارجية في عهد ترامب سيتم اختزال كل معاني الفشل في كلمتين فقط، هما «أقصى ضغط».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"