من شروط بناء مجتمع المعرفة

05:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

تقرير المعرفة العربي للعام ،2009 الذي صدر منذ بضعة أيام من قبل مؤسسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وبرنامج الأمم المتحدة الإغاثي يطرح بقوة ووضوح جدلية العلاقة بين تنمية رأس المال المعرفي والدولة والمجتمع. فالدولة التي لا تملك إلا إرادة سياسية رخوة وفاسدة لا تستطيع بناء مجتمع المعرفة، والمجتمع الذي لا يستجيب لمتطلبات بناء المعرفة ويرفض شروط نمائها يحكم على نفسه بأن يبقى خارج العصر الذي نعيش، عصر المعرفة.

ولو أمعنا النظر في نجاح بناء مجتمعات واقتصاد وثقافة المعرفة في بلدان من مثل اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وتايوان لوجدنا أن مهماز تلك النجاحات كانت إرادة سياسية قوية ومصممة عند سلطات الحكم في تلك الدول واستجابة مجتمعية حماسية متعاونة مع تلك الإرادة.

من هنا، فإن الحديث عن انتقال المجتمعات العربية إلى أن تصبح مجتمعات معرفة، وتغيير الاقتصاد العربي الريعي ليكون اقتصاد معرفة يتطلب وجود إرادة سياسية عربية تسخر كل الإمكانات المالية والبشرية والمؤسسية من أجل هذا الهدف، وذلك بالتعاون التام بين الدولة والمجتمع، وهو ما يتطلب إصلاحات سياسية أساسية تؤدي إلى تصالح راسخ بين الدولة العربية ومجتمعها.

إن بناء مجتمع المعرفة يتطلب ثلاثة أنشطة: إنتاج المعرفة ونشرها والتعامل معها في حل قضايا المجتمع. أما إنتاج المعرفة، فإنه عادة يتم في الجامعات وفي مراكز البحوث. فإذا بخلت الدولة على أماكن الإنتاج، كما هي الحال بالنسبة للدولة العربية، حيث إن ما يصرف على البحث أقل من العشر الذي تصرفه الكثير من الدول المتقدمة، فإن بناء مجتمع المعرفة يصبح شبه مستحيل. وإذا قمعت حرية البحث من قبل بعض قوى المجتمع، تارة باسم الدين وتارة أخرى باسم العادات والتقاليد وغيرها، فإن إنتاج المعرفة يتعثر ويتشوه.

ولكي يزدهر إنتاج المعرفة يحتاج إلى أن تستعمل نتائجه من قبل مختلف مؤسسات المجتمع وخصوصاً المؤسسات الاقتصادية، وإلا تنقلب عملية البحث إلى ترف عبثي لا يسهم في عملية التنمية، وتوضع النتائج في الادراج وعلى الرفوف. إن استعمال المعرفة في حل قضايا المجتمع هو وحده الكفيل بالدفع إلى المزيد من إنتاج المعرفة، وهذا لا يحدث في الأرض العربية التي تفضل حكوماتها ومؤسسات قطاعها الخاص أن تستورد الحلول الجاهزة من الخارج لعدم ثقتها في مؤسساتها البحثية العربية.

لكن المعرفة ليست فقط نتيجة للبحوث، إنها أيضاً نتيجة لعمليات ذهنية يقوم بها الفرد لجعل المعلومات التي يقرأ عنها أو يسمع بها، معارف وهذه العمليات الذهنية يجب أن تعلم لكل المواطنين منذ طفولتهم سواء في المدرسة أو خارجها. فأفراد مجتمع المعرفة يجب أن يعرفوا كيف يصنفون المعلومات ويربطون في ما بينها ويحللونها وينقدونها ويركبونها من جديد حتى تصبح تلك المعلومات معرفة يمكن الاستفادة منها في حل مشاكل الفرد الحياتية اليومية وأيضاً في بناء علاقات صحية مع الآخرين. وهذه القدرة على قلب المعلومات المتناثرة غير المترابطة إلى معرفة متماسكة لا يمكن أن تبنى بأساليب التعليم التلقيني الذي تمارسه أغلب المدارس العربية، وإنما يحتاج إلى تعليم يستعمل أساليب حل المسائل التي بدورها تحتاج إلى ممارسة التحليل والنقد والإبداع والعقلانية الصارمة.

من هنا أهمية ارادة الدولة في تقديم تعليم إبداعي خلاق استكشافي، وإرادة المجتمع في عدم ممارسة البلادات والخرافات والتقليد. عند ذاك سنتعامل مع إنسان عربي يسعى إلى اغتراف المعرفة من كل منبع، من الكتاب والمجلة والانترنت والتلفزيون. وسيعرف أن يفرق بين المعلومات والمعرفة وأن يحلل وينقد كلتيهما. عند ذلك ستنتهي محنة الكتاب العربي، تأليفاً ونشراً وقراءة.

من دون إرادة سياسية صادقة وعنيدة من قبل الدولة العربية، ومن دون مجتمع يثق بصدق تلك الإرادة ويتفاعل معها، فإن الحديث عن بناء مجتمع المعرفة العربي يصبح حلماً لا يرتبط بالواقع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"