ترقّب أردني للخطوات الأمريكية

05:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

فيما احتفظ الأردن بموقفه الرافض لصفقة «أفكار من أجل السلام والازدهار» وهو ما عبّر عنه الملك عبدالله الثاني: «كلا.. نقولها بوضوح»، وكذلك بالتصريحات التي عبّرت عنها الخارجية الأردنية، إلا أن عمّان تفادت اتخاذ مواقف تصعيدية من هذا التطور، أو حتى المواظبة على إبراز الموقف الرافض، وقد تركت لمجلس النواب وللأحزاب والنقابات المهنية، وللرأي العام ووسائل الإعلام «التقليدية» والحديثة، فرصة التعبير عن المواقف المنددة. والراجح أن التمسك بهذه السياسة سوف يستمر في غضون الأشهر القادمة، بانتظار التحركات الأمريكية، بما في ذلك عودة الاتصالات مع واشنطن؛ إذ انشغل البيت الأبيض خلال الأسابيع القليلة الماضية بمحاولات عزل الرئيس ترامب.
ويعتمد الموقف الرسمي في عمّان على الرأي العام الرافض في جملته للصفقة، وكذلك على الموقف الذي أعلنه الاجتماع الوزاري للجامعة العربية، وقبل ذلك على التحفظات التي أبدتها عواصم القرار الدولية على الخطة، والتي لم تحظ بتأييد يُذكر، أقلّه بصورة علنية. وإلى ذلك فإن الموقف الرسمي يستند إلى كونه لم يكن شريكاً في وضع الخطة، ولا أحيط عِلماً بمشتملاتها، ولا أن إعدادها والتحضير لها قد شمل طرفاً واحداً؛ هو الطرف «الإسرائيلي»، الأمر الذي أصابها بخلل جوهري؛ إذ عكست في واقع الحال مصلحة طرف واحد، فيما تعرض الطرف الثاني وهو الفلسطيني ليس إلى التهميش فقط؛ بل إلى مواقف عدائية شرسة مع تسمية القدس عاصمة للاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن. بينما تم استبعاد الأردن من مشاورات الإعداد للخطة، وأخذ فقط علماً بأن الخطة قيد الإعداد، فيما الأردن هو من أكثر الأطراف على الإطلاق تماساً بوضع الضفة الغربية المحتلة، ومآلات قضية فلسطين..
وبينما يراهن الجانب «الإسرائيلي» وربما بعض أركان البيت الأبيض، على أن الأردن لن يجازف بالتضحية بالمساعدات الأمريكية الدورية، وكذلك بما تشتمل عليه الخطة من عروض مالية؛ لإقامة مشاريع اقتصادية تشغيلية، فإن الأردن بدوره يراهن على أن موقفه إضافة إلى الموقف الفلسطيني هو الذي يحدد مصير الصفقة. وقد التزمت عمّان برفضها قبل أن تبدأ..
وفي واقع الأمر إن الرفض استند إلى ما تم تنفيذه من الخطة، بخصوص القدس والاستيطان ونقل السفارة، ولم يكن رفضاً متسرعاً كما ادعى صهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر مهندس الصفقة. تماماً كما هو حال الموقف الفلسطيني ومواقف بعض الأطراف الدولية؛ ومنها على الخصوص فرنسا وروسيا,
علاوة على ذلك فإن بيد الأردن ورقة علاقاته الدبلوماسية مع «تل أبيب»؛ إذ بيده تخفيضها أو تجميدها، حتى مع دوام الالتزام بمعاهدة السلام. فالعلاقات الثنائية أو بالأحرى مستوى هذه العلاقات هي مسألة سيادية، والمعاهدة لا تُلزم الطرفين أن تبقى العلاقات بينهما على مستوى معين من التعاون. وغني عن الذكر أن الرأي العام في الأردن غير راضٍ أصلاً عن نشوء العلاقات، وقد ارتضى بها من منظور أنها محطة إجبارية تمهد إلى إحلال سلام شامل يزول معه الاحتلال الاستيطاني والعسكري للأراضي المحتلة. أما وقد كشف الحلف الأمريكي «الإسرائيلي» عن نواياه بدوام الاستيلاء على غور الأردن والقدس، وشرعنة الغزو الاستيطاني، فإن استمرار العلاقات مع الطرف القائم بالاحتلال؛ يشكل عبئاً سياسياً ثقيلاً على الوجدان الوطني.
ومع الإدراك بأن الجانب الآخر سوف يسعى كما هو دأبه دائماً إلى فرض الأمر الواقع بخطوات متدرجة، متمتعاً بإسناد أمريكي أعمى هذه المرة، فإن هذه الإجراءات المتوقعة سوف تبقى بغير غطاء سياسي وقانوني، ولن يهرول الأردن من جهته إلى تنفيذ أو السماح بتنفيذ ما تضمنته الخطة على أراضيه؛ مثل تخصيص جزء من ميناء العقبة جنوبي المملكة، لأغراض تصدير منتجات فلسطينية. ولن يسمح بأية صورة من الصور ب«ترانسفير» متدرج لأبناء الضفة الغربية. ولن يتخلى عن حقوق مواطنيه من اللاجئين الذين يتمتعون بالجنسية الأردنية؛ بل إن هذا الأمر يمثل ورقة سياسية بيده (وليست عليه)؛ إذ إن تمتع هؤلاء بالجنسية الأردنية يجعل من عودة اللاجئين قضية أردنية، فضلاً عن كونها مسألة تتعلق بالجانب الفلسطيني.
ويبقى بعدئذ أن استمرار التنسيق العربي وتعميقه على أسس واضحة ومتينة، من شأنه قطع الطريق على أية محاولات لإحداث تصدع في الموقف العربي إزاء هذه المسألة، وغيرها من المسائل التي تمس الأمن الجماعي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"