نظرة على الموقفين الروسي والصيني

03:55 صباحا
قراءة 4 دقائق

يمتاز الموقف الروسي عن الموقف الصيني بخصوص الوضع في سوريا بميزة مهمة هي أن موسكو أبدت على طريقتها اهتماماً ملحوظاً بالأزمة الطاحنة في بلاد الأمويين، بينما اعتصمت بكين بصمت السور العظيم إزاء ما يجري، باستثناء ما ينطق به المندوب الصيني في مداولات مجلس الأمن .

لقد استقبلت موسكو ممثلين عن المعارضة السورية مرتين، وتستعد لاستقبال هؤلاء لمرة ثالثة إن لم تكن قد فعلت مع نشر هذا المقال . واستقبلت الناطقة الإعلامية السورية بثينة شعبان، كما أوفدت وفداً برلمانياً إلى دمشق، وصدرت تصريحات لمسؤولين روس ينحون فيها باللائمة على الحكم والمعارضة على السواء . وخلال ذلك تتشبث موسكو بأهمية إجراء حوار جدي بين الطرفين ووقف آلة العنف، وقد تردّد أن السلطات السورية وافقت على الحوار، على أن يبدأ الحوار في العاصمة الروسية ثم ينتقل بعدئذٍ إلى دمشق . لم يعرف مدى صحة ذلك، خاصة أن دمشق تتمسك بالكتمان إزاء الاتصالات السياسية بشأن الأزمة، وتؤثِر على ذلك تحقيق انتصارات على الأرض . أما المعارضة التي بالكاد توحّدت بتشكيل المجلس الوطني الانتقالي، فمازالت مقارباتها النهائية للأزمة غير واضحة . . وهو ما يفسره المحامي المعارض هيثم المالح بحالة التصحّر السياسي، التي سادت البلد لأربعين عاماً، وعطلت الحياة السياسية فيها .

يخشى الروس تكرار النموذج الليبي في سوريا، وقد اعتبروا في المداولات التي جرت الأسبوع الماضي في نيويورك، وانتهت باستخدم الفيتو أن مشروع القرار الأوروبي يبطن المواجهة ، ويفتح الباب على التدخل العسكري وهو ما ترفضه موسكو من حيث المبدأ . ويجد هذا الموقف تفسيراً له في كون موسكو هي مصدر التسليح شبه الوحيد للجيش السوري، وعليه فإن موسكو تود أن تتفادى بأي ثمن مواجهةً يجري فيها امتحان أسلحتها مع أسلحة قوات حلف الناتو . مثلما كان عليه الحال في ليبيا .

وحدث ذلك مع بكين التي زار وزير الدفاع فيها وقائد الجيش الأحمر تل أبيب قبل أسابيع . ومن المعلوم أن هناك تعاوناً عسكرياً بين الجانبين، وأن بكين معنية بالذات بشراء المزيد من نماذج الطائرات من دون طيار التي تنتجها تل أبيب . غير أن هذا الاقتراب الروسي والصيني من الكيان، لم يمنع بقاء العلاقات التقليدية على ما هي عليه مع دمشق، وهي علاقات وصفها مؤخراً السفير الصيني في دمشق تشانغ شيون بأنها تعود لآلاف السنين وليس لأقل من ذلك . ويذكر في هذا المجال أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين نشأت قبل خمسة وخمسين عاماً . وإذ تتوثق هذه العلاقات مع رغبة الصين في فتح أسواق جديدة لها في كل مكان في العالم (تمتاز سوريا بكونها أحد أكبر المستوردين في الشرق الأوسط للسيارات الصينية بمعدل يقارب 35 ألف سيارة في العام)، فإن التنافس الصيني- الروسي التاريخي، وكذلك الصراع الذي تحول إلى تنافس صيني مع واشنطن على النفوذ، يؤدي دوراً حيوياً في تطلع بكين إلى دوام الاستقرار في سوريا غير المرضي عن نظامها في الغرب .

لا تبدي موسكو وبكين كبير اهتمام بالتسونامي السياسي الداخلي الذي يعصف ببلدان عربية، لأن التفكير لديهما براغماتي ويتجه إلى تلمس أين ستنتهي التغييرات المرتقبة وما هي مآلاتها، بما يتعلق بالنفوذ الغربي . وخلافاً لما كان عليه الحال قبل نحو عقدين من الزمن، فإن المصالح الاستراتيجية المبنية أساساً على مصالح وطنية هي ما يحرك العاصمتين . الصراع مع الغرب تخفّف إلى حد بعيد من طابعه ومضمونه العقائدي، لكن التنافس لم يتوقف احتدامه على كسب مواطئ نفوذ . بالنسبة إلى روسيا فإن العلاقات مع جارتها إيران ذات أهمية كبيرة على كل مستوى (قد تكفي الإشارة هنا إلى الموقف الروسي بخصوص الملف النووي الإيراني وتمايزه عن مجمل المواقف الغربية)، وإيران هي الحليف الأول والوحيد لسوريا .

ما تقدم يتضمن تفسيراً للمواقف الروسية والصينية في مجلس الأمن حيال الأزمة السورية . ويضاف إليه ضعف الحساسية تجاه حقوق الانسان التي يُنظر إليها على أنها صناعة غربية، مع أنها باتت مسألة كونية أو عالمية تخترق الثقافات والأيديولوجيات، رغم ما يلحق بها من تسييس في كثير من الأحيان، والفيصل ألا يقع في التسييس من يأخذ على غيره هذا المأخذ، بحيث يتم الوقوف مع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات والشعوب، جنباً إلى جنب مع السعي إلى تحقيق المصالح .

إنه لمما يسترعي الانتباه أن روسيا بعدما هجرت الاشتراكية، لم تبلور خطاباً سياسياً تتوجه به إلى العالم . وكذلك بكين التي فتحت الباب واسعاً أمام اقتصاد السوق، ما مكّنها من تحقيق ما يشيه المعجزة الاقتصادية والصناعية، لكن من دون تجديد في اللغة السياسية المستخدمة بما يتناسب مع الخيارات الاقتصادية الداخلية ومع التغيير الفعلي في جوانب من السياسة الخارجية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"