وطن الإجازات الأطول

02:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
يشكو بعض المواطنين هنا وهناك، من أن إجازة عيد الفطر الذي ودَّعناه قبل أيام كانت قصيرة جداً، ومن ينصت إلى تلك الشكاوى يظن في قرارة نفسه أن سائر أيام هؤلاء مملوءة بالأعمال الشاقة وأنهم يحتاجون إلى الإجازات الطويلة لتستريح فيها أبدانهم وعقولهم، وهو قول يثير الضحك والسخرية معاً، ويدعو إلى التأمل في ما وصلت إليه حالة الأغلبية من أبناء الوطن العربي الذين هم في الواقع يعيشون واقعاً من الإجازات الطويلة جداً لا يجدون ما يملؤون به فراغها.
وحتى لا ندخل في منطقة التعميم، فلنا أن نقول إن هناك بعض الأقطار العربية الاستثنائية ينتظم فيها سير العمل اليومي وترتبط فيها حياة الناس بمبدأ الثواب والعقاب، والالتزام بالحضور والغيابن إلاّ أن الأغلبية الساحقة من أبناء بقية الأقطار العربية يعيشون وضعاً تتجسد فيه البطالة والعطالة بأوضح صورة، علماً بأن في تلك الأقطار مجالات واسعة للعمل خارج المدن المكتظة في الزراعة وصيد الأسماك، وزراعة الأراضي الصالحة لتكون مصدراً للدخل الوطني والقومي.
إن الإشكاليات التي يعانيها الوطن العربي أكثر من أن تحصى وقد تكون في مقدمتها الاستهانة بالوقت وتبديده في ما لا يعود على صاحبه أو وطنه بأدنى فائدة تُذكر، ولا أظن أن وطناً في كامل الأرض تتردد فيه عبارة «قتل الوقت» كالوطن العربي، فالوقت ليس عدواً نسعى إلى قتله أو الخلاص منه، وإنما هو رأس مال الفرد والمجتمع، ومن خلال احترام هذا الرأس مال، واستغلال كل ثانية ودقيقة منه تتكون ثروات الشعوب وينمو إنتاجها المادي والمعنوي. ومن المؤكد أن انخفاض مستوى المعيشة في بلد ما، وتدهور أوضاعه الاقتصادية كما يعود إلى الحروب العابرة والصراعات الداخلية، فإنه يعود أيضاً إلى عدم تقدير الوقت وتحويله إلى فراغ قاتل للمواطن والوطن، وكلما كثرت الشكاوى على لسان المتعطلين أدركنا سبب ما نعانيه، وما يعانيه الوطن من قتله الوقت، ومن قتله الوطن بالحروب وافتعال المعارك الجانبية.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال كثيراً ما تردد في كتابات أساتذة الاجتماع وعلماء البيئة عن المناخ ودوره في التأثير المباشر في أبناء بعض الشعوب المشهورة بالتراخي والكسل، علماً بأن هناك شعوباً أخرى تعيش في مناخات أشد قسوة من مناخ الوطن العربي، ومع ذلك فهي تسير على نظام دقيق كالساعة التي لا تتقدم ولا تتأخر، ولا علاقة لحرارة الجو أو برودته في حياتها اليومية، ولا في ما تحققه من تطور في مستوى المعيشة، ومن تقدم في الإنتاج، ما يؤكد أن الخلل ليس في المناخ وإنما في السلوك وغياب الشعور بالمسؤولية.

وما من زائر أجنبي أمضى وقتاً في بعض أقطارنا العربية المدفون أبناؤها بإطالة النوم، والتبرم من العمل إلاّ وقد عدّ هذه الإشكالية الذاتية من أبرز أسباب التخلف وأكثرها حضوراً في حياة الأغلبية من أبناء هذا الوطن الغني والكبير.
واللافت أن كثيراً من العرب الذين يهجرون وطنهم إلى الشعوب المتقدمة سرعان ما ينفضون عن أنفسهم ما اعتادوا عليه من تواكل وتقصير في الشأنين العام والخاص، وفي شهور قليلة يجدون أنهم صاروا جزءاً من الوسط الجديد الذي انتقلوا إليه، يبدؤون بإدراك ما للوقت من أهمية، وكان بعض هؤلاء قد انتقل للعمل في أماكن أقسى مناخياً من مناخ المكان الذي ولد ونشأ فيه، لكنه لم يجد في وطنه القدوة، ولا استشعر بمسؤولية تجاه نفسه أولاً، وتجاه وطنه ومواطنيه ثانياً، وبعد كل ما سبق أستطيع أن أفهم أن يطالب المواطن الياباني والألماني بإجازة أسبوعية وبإجازة سنوية يتمكن خلالها من استرجاع أنفاسه، والتخفف من العمل الشاق بدنياً، في حين أنني لا أستطيع أن أفهم طلب مواطن عربي إجازة قصيرة، أو طويلة لقتل الوقت، وزيادة مساحة الفراغ الذي يتقلب فيه.


د. عبدالعزيز المقالح
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"