قال لي أحدهم: استأجرت «فيلا» بمبلغ كبير، واشترط عليّ المالك في الاتفاقية المبرمة بيننا عند إنشاء العقد أن أجري لها صيانة سنوية، فما مدى صحة هذا الشرط، علماً بأنني أدفع له أقساط الإيجار السنوي بانتظام، والإيجار مبلغ كبير؟
قلت له: صحيح أنك تدفع له الإيجار، وأن البيت المستأجر كما يقول الفقهاء أمانة في يدك، وما يحدث به من غير تقصير ولا تعدّ منك لا تضمنه أنت، لكن لا تنسَ أن الصيانة نوعان: صيانة أساسية، وصيانة دورية.
فالصيانة الأساسية مثل الصيانة التي تتعلق بأصل الجدار، أو السقف، مثلاً، لا يطالب بها المستأجر، لأن الانتفاع يتوقف عليها، فمتى لم يوفر لك بيتاً صالحاً للانتفاع به لم تعد هناك إجارة، ولا عقد ولا استحقاق أجرة.
أما الصيانة الدورية العادية التي يتطلبها أي بيت، مثل تغيير اللمبات، وحنفيات الماء، ومقابض الأبواب، وغيرها فإنها على المستأجر، ويضمنها إذا تلفت لأنها تلفت بسبب استخدامه لها.
وقد وجدت نصوص في كتب الفقه تدل على شرعية مثل هذه الأمور، فنقرأ للكاساني في كتابه العظيم، وهو من علماء المذهب الحنفي: «وتطيين الدار، وإصلاح ميزابها، وكل ما هو من بنائها على رب الدار دون المستأجر». لماذا قال هذا؟ لأن الدار ملكه حقيقة، وإصلاح الملك على المالك، لكن لا يجبر على ذلك، لأن المالك لا يجبر على إصلاح ملكه، وعندئذ يحق للمستأجر أن يخرج لأن ذلك عيب في المعقود عليه.
وفي المقابل قال الكاساني: «وان أصلح المستأجر شيئاً من ذلك (أي من الأشياء التي عدت من الصيانة الأساسية) لم يحتسب له بما أنفق، لأنه أصلح ملك غيره بغير أمره، فكان متبرعاً». (انظر بدائع الصنائع ج٩ ص ٤٣٦).
ويقول ابن قدامة المقدسي وهو من علماء المذهب الحنبلي: «وإن شرط الإنفاق على العين النفقة الواجبة على المكري كعمارة الحمّام، إذا شرطها على المكري فالشرط فاسد، لأن العين ملك المؤجر فنفقتها عليه، وإذا أنفق بناء على هذا احتسب به على المكري لأنه أنفقه على ملكه بشرط العوض». (انظر المغني ج٦ ص ٣٦).
ومن قرارات مجمع الفقه الإسلامي في ما يتعلق بعقد الصيانة ما يلي:
«الصيانة المشروطة في عقد الإيجار على المؤجر أو المستأجر، هذا عقد يجتمع فيه إجارة وشرط، أي حكمين في آن واحد، وحكم هذه الصورة أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي يتوقف عليه استيفاء المنفعة، فإنها تلتزم مالك العين المؤجرة من غير شرط، ولا يجوز اشتراطها على المستأجر، أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة فيجوز اشتراطها على أي من المؤجر أو المستأجر، إذا عينت تعييناً نافياً للجهالة». (انظر مجلة الفقه الإسلامي).
أقول: إن المؤجر، أو المستأجر تغيرت صورته في عصرنا الحاضر، إذ لا أحد منهما يلتزم بالشروط، وكان الناس قديماً يلتزمون بالشروط ديانة، لأنهم كانوا يعتقدون أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه.
مع الأخذ في الاعتبار أن الإسلام لا يقر الظلم أبداً، فلا يفرق على سبيل المثال في مسألة كالإيجار بين المسلم وغير المسلم، إذ إن الحقوق محفوظة بغض النظر عن كون المستأجر مسلماً، أو غير مسلم.
من أجل ذلك، فمن رأيي المتواضع أن كلاً من المؤجر والمستأجر يحق له أن يضع شروطاً في عقد الصيانة يضمن بها حقه، ولكن بما يتفق مع الشرع والعرف أيضاً، ثم بعد ذلك نقولها لهما «المسلمون عند شروطهم».
د. عارف الشيخ
مقالات أخرى للكاتب
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
قد يعجبك ايضا
![](/sites/default/files/2024-07/6182142.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6182139.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6182129.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6182093.jpeg)
![2](/sites/default/files/2024-07/6182000_32066.jpeg)
![](/sites/default/files/2024-07/6182048.jpeg)
![«فيتش»: اهتمام متزايد من بنوك الإمارات للتوسع في الهند «فيتش»: اهتمام متزايد من بنوك الإمارات للتوسع في الهند](/sites/default/files/2024-07/6182045.jpeg)
![النفط يرتفع من أدنى مستوى في 6 أسابيع النفط يرتفع من أدنى مستوى في 6 أسابيع](/sites/default/files/2024-07/6182043.jpeg)