الجودة أولا

05:04 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

عاد الجدل المطروح حول ماهية السعادة ومسبباتها إلى منصة الحوار في «تويتر»، وانقسمت الآراء كالعادة بين مؤيد لقيمة المال ودوره في تحقيق الاستقرار المعنوي الذي يحتاج له الأفراد في حياتهم اليومية، ومن يؤمن أن الأمر ذو أبعاد قيمية وأخلاقية وثقافية، وكلا الرأيين يحتمل الصواب في سياقات معينة تتعلق بالفرد والبيئة المحيطة، إلا أن الأمر يتعلق بالجودة قبل السعادة والتي ترتبط بالإحساس باعتدال المزاج والحالة النفسية والوصول إلى الرضا، في حين يتناول مفهوم الجودة كما فصلته - منظمة الصحة العالمية- إدراك وتصور الأفراد لوضعهم وموقعهم في سياق نظم الثقافة والقيم التي يعيشون فيها، وعلاقة ذلك بأهدافهم وتوقعاتهم ومعاييرهم واعتباراتهم.
لسوء الحظ لا نملك دراسات حقيقية تدرس نقطتي الإدراك والتصورات في المجتمع، إلا أنها يمكن أن تقدم لنا انطباعاً عاماً عن الاتجاهات التي تعكسها وسائل التواصل الاجتماعي -وليس علمياً- حول ما يشكو منه الأفراد، خصوصاً المنتمين منهم لجيل الألفية ممن يواجهون تحديات كثيرة تتمثل في الانقسام في القيم والتشتت في المفاهيم الكبرى، وذلك بسبب متغيرات كثيرة تضعهم في مواجهة أسئلة وجودية كبرى قد لا يستطيعون التعبير عنها بطريقة صحية وصحيحة.
أسئلة من مثل: من أنا؟ وماذا أريد؟ ولماذا أنا هنا؟ وأين أريد أن أكون؟ هي ليست محض دليل في برامج تطوير الذات والتنمية البشرية الشائعة في هذه الأيام، بل هي محاور جوهرية يجب أن تتضمنها برامج جودة الحياة والسعادة التي تعمل دولتنا على تحقيقها في القطاعات المختلفة، كما أن الخلل لا يكمن في البرامج ذاتها بل في الكيفية التي يتم من خلالها تطبيق معايير هذه المنظومة المثالية من حيث المبدأ والمضمون، فقد وجدت برامج مثل البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية في ٢٠١٦ والاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة لعام ٢٠٣١ لتحمي مواطني الدولة من التهديدات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها، ولتمكنهم من الانتفاع من حقوقهم المكفولة في الدستور وممارسة حرياتهم الأساسية سعياً للوصول إلى تحقيق الجودة المتكاملة.
لكن الجودة ليست رفاهية بل مطلب حياة أساسي يجب أن تؤمن بضرورته كل أطياف المجتمع ومؤسساته، وهو لا يرتبط بأمن الفرد المالي أو الوظيفي أو الصحي وحسب، بل هو يبدأ من تمكين الأسرة في مجالات أخرى روحانية وإنسانية وأخلاقية وقيمية، كما أنه لا يمكن التعامل مع الجوانب الروحانية والإنسانية كمسلمات، وذلك لأسباب كثيرة أبرزها العوالم المفتوحة- أمام الأفراد صغاراً وكباراً- على ما لا حد له من منتجات معرفية وثقافية واستهلاكية متاحة بصور لا حصر لها، مشكّلة أنماطاً مادية تستخف بالإنسان ووجوده.
في هذه المعضلة العالمية التي لا يمكن أن ننأى بأنفسنا عنها لا بد من العودة إلى الجمال بصوره المختلفة والذي تنتجه المعرفة المتوازنة من خلال المدرسة والإعلام والمجلس الاجتماعي والقدوة الحسنة والكتاب، ذلك الجمال الذي يعيد ترتيب الأسئلة الكبرى ويحقق اتزاناً وأمناً نفسياً وأسرياً ووطنياً، وهذه هي الجودة التي نبحث عنها في مجتمعنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"