الهند والبدائل الآسيوية

03:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

عاد الحديث مؤخراً عن الدور الاستراتيجي للهند في جنوب شرقي آسيا، بمناسبة الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى نيودلهي يومي 24 و25 فبراير الماضي، والتي أرادت واشنطن، أن تؤكد من خلالها أهمية العلاقة بين البلدين وعلى مراهناتها على الهند من أجل الالتفاف على الحضور الصيني القوي في المنطقة. وعلى الرغم من اعتماد البلدين على سياسة حمائية صارمة على المستوى التجاري، وهو ما بدا جلياً من خلال دعوة الرئيس الأمريكي للهند إلى أن تمنح للشركات الأمريكية حرية الدخول إلى السوق الهندية، إلا أن ترامب أشار خلال هذه الزيارة إلى أن الطرفين قد توصلا إلى اتفاق مشترك يقضي بشراء الهند لأسلحة أمريكية بمبلغ 3 مليارات دولار.
وأبرزت زيارة الرئيس الأمريكي، إلى الهند بشكل واضح، حاجة واشنطن إلى بدائل حقيقية للصين في منطقة شرق آسيا في سياق جيوسياسي يغلب عليه التوتر والتنافس المتصاعد بين واشنطن وبكين، الأمر الذي يدفع الكثير من الشركات الأمريكية الكبرى إلى التفكير في نقل جزء من أنشطتها الصناعية من الصين إلى دول مجاورة تملك أيدي عاملة مؤهلة وسوقاً داخلية كبيرة مثل الهند. وبالتالي فإن الولايات المتحدة تحاول دعم الهند وتطوير علاقاتها معها لتتحول إلى منافس جدي للصين في المدى المنظور، على الرغم من أن الناتج المحلي الخام للهند لا يتجاوز حالياً 2600 مليار دولار وميزانية دفاعها لا تتعدى 57 مليار دولار في مقابل ناتج محلي صيني يبلغ 13119 مليار دولار وميزانية دفاع تناهز 168 مليار دولار سنوياً.
ويرى المراقبون أن الهند تعلم جيداً أنها لا تستطيع أن تعتمد بشكل كامل على علاقاتها مع الولايات المتحدة من أجل مواجهة جارتها القوية الصين، لكنها تسعى إلى إحداث نوع من التوازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة وروسيا، لاسيما في مجال التسلح والصناعات العسكرية، من أجل الدفاع عن مصالحها في جنوب آسيا وتحديداً في المحيط الهندي في سياق مواجهتها للتمدد الصيني الذي يتواصل بشكل مكثف على حساب ما تعتبره نيودلهي حقوقها الجيوسياسية المشروعة في مجالها الإقليمي، حتى وإن كانت تعلم جيداً أن واشنطن لن تقبل في كل الأحوال أن تسلمها جزءاً من تكنولوجيتها العسكرية الحساسة، من أجل إحداث نوع من التوازن العسكري الاستراتيجي في المنطقة.
ومن الواضح تأسيساً على ما تقدم، أن عوامل التنافس والتوتر بين الجارتين الهند والصين ما زالت متعددة، وليست في حاجة إلى المناورات السياسية الأمريكية من أجل أن تطفو مجدداً على السطح، فهناك فضلاً عن التنافس الذي أشرنا إليه على مستوى المحيط الهندي، نزاع تاريخي حول ترسيم الحدود بين البلدين، إضافة إلى التحالف الذي تقيمه الصين مع باكستان الخصم الأكبر للهند بسبب الصراع حول منطقة كشمير، والذي أدى إلى دخول نيودلهي في مواجهات مسلحة مع إسلام أباد تطورت مع مرور الزمن إلى سباق محموم من أجل امتلاك قدرات نووية ومنظومات صواريخ متطورة.
ويمكن القول إن رهان واشنطن على الحليف الهندي في جنوب آسيا من أجل احتواء النفوذ الصيني في المنطقة، سيظل محدوداً إلى حد بعيد نظراً للمشاكل العديدة التي تواجهها نيودلهي على مستوى جبهتها الداخلية، بسبب تواضع الإمكانيات الاقتصادية التي تمتلكها مقارنة بحجم السكان الكبير الذي يصل إلى مليار و300 مليون نسمة؛ علاوة على الاختلال الكبير في توزيع الثروة داخل المجتمع وانتشار الفقر بنسب قياسية في العديد من التجمعات السكانية، إضافة إلى مشاكل الهوية المتعلقة بتعدد الأديان والأعراق واللغات في شبه القارة الهندية، والتي باتت تأخذ أبعاداً مقلقة مع تزايد المواجهات بين المجموعات الدينية، لاسيما بين المسلمين والهندوس.
وتدفع هشاشة الوضع في شبه القارة الهندية الولايات المتحدة إلى البحث عن بدائل إضافية في شرق آسيا خارج إطار الشريك الهندي، لذلك فإن الشركات الأمريكية، لاسيما شركات التقنية تعمل على تكثيف استثماراتها المباشرة في دول مثل ماليزيا وفيتنام وإندونيسيا، من أجل مواجهة الصعود الصاروخي للاقتصاد الصيني.
ونخلص في الأخير إلى أن أمريكا لا يمكنها أن تعتمد بشكل كامل على البدائل الآسيوية الأخرى المتاحة من أجل كبح لجام التنين الصيني الذي يبدو مصراً على مواصلة تحقيق إنجازاته، على الرغم من داء الأوبئة وكيد الأعداء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"