هل تخرج تركيا من المعسكر الغربي؟

02:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.غسان العزي
كان الرئيس الروسي بوتين أول المتصلين بالرئيس التركي أردوغان بعد محاولة الانقلاب الشهر الماضي، الاتصال السريع الآخر أتى من طهران، على خلفية أخبار تقول إن الاستخبارات الروسية هي من أخبر أردوغان بوجود حركة داخل الجيش تشي بالتحضير لانقلاب عسكري وشيك. وهذه «الشائعات» نفسها قالت إن الولايات المتحدة ربما تكون وراء هذه المحاولة الانقلابية، أو على الأقل علمت بها وغضت الطرف، وفي جميع الأحوال فإن رد فعلها كان فاتراً، بحسب الرئيس التركي.
الزيارة الأولى التي قام بها أردوغان خارج البلاد بعد المحاولة الانقلابية كانت ل«صديقه فلاديمير»، كما بات يسميه. وتعليقاً على اللقاء توقعت بعض الصحف العالمية حدوث انعطافة استراتيجية تركية كبرى من الغرب إلى الشرق. وبعض المراقبين ذهب إلى التأكيد أن اللقاء الثنائي، على انفراد، بين بوتين وأردوغان، على مدى ساعتين كاملتين في سان بطرسبرغ وضع الأسس لتحالف جديد سوف تظهر آثاره في الأزمة السورية والعلاقات الدولية برمتها في وقت قريب.
من المؤكد أن الرئيسين، بوتين وأردوغان، يحتاج أحدهما إلى الآخر من الناحية الاقتصادية على الأقل، كما في مواجهة الإرهاب ونزع صواعق أزمات قد تفجر معها كل النظام الإقليمي، وربما الدولي القائم. وإضافة إلى ذلك، فإن أردوغان يسعى إلى ترتيب بيته الداخلي، ويحتاج في هذه المرحلة إلى أكبر قدر من الأصدقاء في الخارج، وأقل قدر ممكن من المتاعب والخصوم.
من الناحية الاقتصادية، يمكن الكلام عن نجاح واضح للقاء سان بطرسبرغ. فقد اتفق الرجلان على العودة إلى الهدف الذي كان محدداً في السابق، وهو الوصول بحجم التجارة الثنائية إلى 100 مليار دولار سنوياً، والمضي قدماً في مشروع بناء خط أنابيب نقل الغاز «توركستريم» الذي من المفترض أن ينقل 31.5 مليار متر مكعب سنوياً من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود، ومن تركيا إلى أوروبا. وهذا يعني الإسهام بشكل كبير في التخفيف من حدة الأزمة التركية. والمعروف أن المحادثات حول «توركستريم» متوقفة منذ إسقاط مقاتلة سوخوي روسية فوق الحدود التركية. وكانت موسكو أوقفت العمل بمشروع ساوث ستريم، وهو خط أنابيب غاز يهدف إلى وصل جنوب روسيا بشمال إيطاليا وعبر البلقان، بعد أن وجه الاتحاد الأوروبي انتقادات لعدم احترام المعايير الأوروبية حول الأنابيب والمنافسة، وغيرها. لكن اللقاء بين بوتين وأردوغان أزال كل العقبات أمام مشاريع أنابيب النقل ليجعل من تركيا بلد عبور الغاز الروسي إلى أوروبا على حساب أوكرانيا التي تسعى موسكو لمعاقبتها. إضافة إلى ذلك، فان وقوع تركيا في مسار خط «تاناب» الذي ينتهي بناؤه في العام 2019 والذي يجمع أذربيجان بأوروبا يجعل منها منصة عالمية للطاقة العابرة للحدود.
وفي المجال السياحي، هناك ثلاثة ملايين سائح روسي يزورون تركيا سنوياً ما يشكل دعماً ملحوظاً لأنقرة التي يعتمد اقتصادها كثيراً على السياحة.
في مقابل هذه الإنجازات على المستوى الاقتصادي والتجاري، لم يصدر شيء محسوس حول الملف السوري، ما عدا وعد موسكو بالتخلي عن دعم حزب العمال الكردستاني في مقابل إقفال تركيا لحدودها مع «داعش». هناك اجتماعات سوف تستمر بين مسؤولي البلدين في المجالات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، وهناك حركة دبلوماسية ناشطة جداً بين البلدين، إضافة إلى طهران التي دخلت على خط «التحول التركي». وقد وصف جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي «داعش» بالعدو المشترك مع الروس.
لكنه كرر مجدداً عدم رؤية بلاده لأي دور للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، في وقت لا ينفك الروس يؤكدون، كما طهران، تمسكهم به. وهذا خلاف أكثر من أساسي بين موسكو وأنقرة.
هناك أمر هام ينبغي التذكير به، وهو أن تركيا عضو في حلف الناتو الذي أكد أمينه العام أنها ستبقى فيه. أكثر من ذلك فهي تندرج في إطار مشروع الدرع الواقية من الصواريخ في منطقة البحر الأسود، وهو كابوس بالنسبة لبوتين، شكّل على الدوام سبباً لاضطراب علاقاته مع الغرب. وفي قمة الناتو الأخيرة أُطلق العمل بهذا المشروع الذي يتضمن بناء رادار في تركيا. إنه أمر استراتيجي أساسي يعيق إمكانية قيام تحالف بين أنقرة وموسكو. وصحيح أن أردوغان لام الغرب، وبمرارة، على تخليه عنه في الانقلاب الفاشل، لكنه لم يذكر أبداً أنه ينوي، أو يفكر في الانسحاب من الناتو.
تحسين العلاقات مع روسيا، وإلى أبعد حدود ممكنة، أمر يمكن لأردوغان القيام به، بل إنه ربما يلبي مصلحة غربية وروسية إذا ما لعب دور الوسيط بينهما وقت الأزمات. لكنه لا يستطيع التضحية بالعلاقات الاستراتيجية القديمة مع الغرب وبالانتماء إلى الناتو، وبالطموح إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وبالعلاقات المهمة مع الدول العربية المناهضة لحكم بشار الأسد، كرمى لعين هذا الأخير، وبالتالي فمن المبالغة التفكير في أن لقاء «السلطان والقيصر» في العاصمة الإمبراطورية الروسية سان بطرسبرغ هو بداية لانعطافة استراتيجية تركية كبرى.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"