أطروحات مؤامرة «كورونية»

03:52 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.غسان العزي

ينبغي التمييز بين من ينشر الأخبار الملفقة بحسن نية بدافع الخوف أو التسلية، ومن يفعل لأنه يضمر نوايا غير سليمة.

كما أثر كل ظاهرة أو حدث جلل في المستوى العالمي (تفجيرات سبتمبر/أيلول 2001، الثورات العربية، «داعش» إلخ..) تنتشر التحليلات والتفسيرات كما أطروحات المؤامرة مدفوعة بالخوف من المجهول القائم والقادم، وبجهل حقائق وخلفيات الأمور. وليس من المبالغة القول إن البشرية جمعاء لم تعرف في تاريخها حدثاً يهدد وجودها نفسه على هذه الأرض ومن دون تفريق بين دين وجنس وعرق وجنسية كما فعل وباء فيروس «كورونا» المستجد؛ (كوفيد-19)، وبالتالي فمن الطبيعي أن تنتشر مشاعر الخوف والعجز أمام تفسير ما يحدث، فتزدهر أطروحات المؤامرة والأخبار الصحيحة والملفقة والتحليلات الصائبة والمخطئة على حد سواء.

فور صدور الأخبار عن تلوث مدينة ووهان الصينية بفيروس «كورونا» المستجد، وإعلان منظمة الصحة العالمية بأنه تحول إلى وباء؛ بفعل انتشاره في عدة بلدان، انتشرت تحليلات تتهم واشنطن بصناعة الفيروس، ونشره في الصين؛ لوقف صعودها الاقتصادي المتسارع، والذي يهدد بتخطي الاقتصاد الأمريكي في وقت غير بعيد. هناك من قال إن «كوفيد- 19» ليس سوى غاز السيرين خرج من مختبرات أمريكية في أفغانستان، ونقله جنود أمريكيون أصيبوا به إلى مدينة ووهان. لقد فشل الرئيس ترامب في حربه التجارية ضد الصين، وهو غير مقتنع بجدوى الحرب العسكرية؛ لذلك ارتأى هذا الحل القائم على حرب بيولوجية غير معلنة تدفع الصين عقوداً طويلة إلى الوراء.

في المقابل، اتهم الرئيس ترامب، الصين بنشر «الفيروس الصيني» كما سمّاه، وصدرت أصوات أمريكية تقول: إن مصدره مختبر بيولوجي قريب من متجر الأسماك الكبير في مدينة ووهان. ومع نجاح الصين في مكافحة الفيروس، ومنع تفاقمه في أراضيها واستعادتها لزمام المبادرة؛ عبر مساعدة دول أخرى مصابة بالوباء، وتصدير الكمامات والمعقمات والأجهزة وغيرها، تعززت أطروحة المؤامرة الصينية، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم.

وبعد أن تبنت بريطانيا نظرية «مناعة القطيع» فلم تفرض حظراً ولا إغلاقاً للمدارس والتجمعات، وبعد أن بدا وكأن دولاً أوروبية أخرى تعمل وفق هذه النظرية من دون الإفصاح عنها، وبعد أن تبين بأن الوباء يقتل المسنين والمرضى دون غيرهم، وجهت أصابع الاتهام إلى زعماء هذه الدول بأنهم يسعون إلى التخلص من الفئات العمرية المتقدمة والمتقاعدين الذي يكلفون الدولة وصناديق الضمان أموالاً طائلة.

عن قصة اللقاح والعلاج هناك موجة أخرى من موجات أطروحة المؤامرة. ويستقطب البروفيسور الفرنسي ديدييه راوول الأضواء في هذا المجال؛ اذ إنه يعالج مرضاه بدواء لم يحصل بعد على إجازة رسمية من الدولة التي انقسم سياسيوها وأطباؤها بين مؤيد ومعارض. وقد اختارت الحكومة أن تقف في الوسط ؛عندما أجازت للأطباء استخدام هذا الدواء بشروط معينة من دون إجازته رسمياً في انتظار الأبحاث والتجارب التي تأخذ وقتاً طويلاً. هناك من يتهم شركات الدواء بأنها تقف وراء معارضته؛ بسبب توفره وسعره الرخيص، كونها تود الاستفادة من فرصة الهلع العالمي؛ لتفرض أدوية تدر عليها أرباحاً فلكية.

معلومات وتحليلات لا يعرف أحد مدى صحتها تنتشر في صفحات التواصل الاجتماعي في العالم. بالطبع ينبغي التمييز بين الانتقادات الموجهة للحكومات بفعل تقصيرها وأطروحات المؤامرة. كما ينبغي التمييز بين من ينشر الأخبار الملفقة بحسن نية بدافع الخوف أو التسلية ومن يفعل؛ لأنه يضمر نوايا غير سليمة. هناك فاعلون سياسيون يستغلون الأمر، وهناك مواقع إلكترونية تبحث عن المزيد من القرّاء عبر عناوين جذابة ومعلومات ملفتة؛ لتمرير دعايات لمنتجات وسلع تجارية أيضاً.

وتكشف استطلاعات الرأي في الدول الأوروبية أن الشباب وغير المتعلمين والفقراء والمنتمين إلى اليسار واليمين المتطرف هم الأكثر قناعة بوجود مؤامرة ما؛ لكن لم يعثر محللو هذه الاستطلاعات على علاقة مباشرة بين هذه القناعة والهلع من الوباء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"