كارثة بيئية ذات نطاق عالمي

04:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

لعلها من المرات النادرة، التي تنشب فيها أزمة ذات طابع دولي، بين دولة ما ودول أخرى مجاورة وغير مجاورة لها، وذلك بسبب اندلاع حرائق في تلك الدولة، وهي البرازيل.
تضم هذه الدولة في أمريكا الجنوبية، أكبر غابة استوائية في العالم على مساحة 5,5 مليون كيلومتر مربع، وقد نشبت فيها حرائق منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، وقد ظلت هذه الحرائق تستعر وتتسع، أمام عجز الحكومة عن إطفائها.
وأن يعجز بلد ما عن مكافحة حرائق هائلة، فذلك ليس غريباً في حال ضعف الإمكانيات، واتساع موجات النيران والدخان، غير أن الغريب في الأمر هو أن الحكومة المعنية لم تبد قلقاً يتناسب مع حجم هذه الكارثة، ولم توجه نداءات تطلب دعماً خارجياً عاجلاً. وبدلاً من ذلك ثارت حالة من الجدل حين شككت رئاسة هذه الدولة بوقوف منظمات غير حكومية وراء هذه الكارثة، بسبب تخفيض الدعم الحكومي لها! وهو ما اعتبرته هذه المنظمات بأنها تصريحات «غير مسؤولة».
يطلق على هذه الغابات العظيمة لقب «رئة الأرض» كونها توفر ما نسبته عشرين في المئة من الأوكسجين، الذي يتنفسه العالم.
وهو ما حمل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، على الحديث عن أزمة بيئية عالمية، مع الدعوة للتحرك لمعالجتها، فيما دعت الرئاسة الفرنسية إلى ضم هذه المسألة إلى جدول أعمال قمة مجموعة السبع التي تستضيفها فرنسا خلال الأسبوع الجاري، وقد ردت الرئاسة البرازيلية على ذلك بالقول إن «فرنسا ذات تاريخ استعماري».
هذا في وقت رأت فيه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وكذلك رئيس وزراء كندا جاستين ترودو، أنه من الواجب التباحث بشأن الحرائق الواسعة خلال قمة بياريتس (بلدة فرنسية).
بينما شددت الرئاسة البرازيلية على أن الحرائق مسألة داخلية في البرازيل و4 دول أخرى، ويريد البعض استغلالها لتحقيق مكاسب شخصية.
ثمة أرقام مخيفة؛ إذ إن نحو 75 ألف حريق قد اندلع خلال أقل من شهر وبزيادة قدرها 83 في المئة عن حرائق الفترة نفسها من العام الماضي، وذلك في الغابات الشاسعة، التي تضم ملايين النباتات والأشجار والطيور والحيوانات، مما يجعلها مصدراً أساسياً للتنوع البيئي الحيوي في عالمنا.
وإلى هذه الكائنات، فإن الأمر يتعلق بالبشر أيضاً، فهذه الغابات تضم نحو 700 محمية طبيعية يقيم فيها زهاء 900 ألف نسمة من السكان الأصليين، ولا أخبار ترد عن مصير هؤلاء، شبه المعزولين في الأصل عن العالم الخارجي.
وهناك الآن خشية من امتداد الحرائق، التي نشبت في شمالي البرازيل إلى دول مجاورة، علاوة على المخاطر الداخلية؛ إذ أخذت الأدخنة الكثيفة تنتشر على امتداد ثلاثة آلاف كيلومتر، وانتشارها هنا وهناك محكوم بحركة الرياح.
وبينما تدافع الحكومة، بأنها تمكنت من إطفاء تسعين في المئة من جملة الحرائق، إلا أن ذلك في حال كونه دقيقاً، فإنه لا يقلل من المخاطر الداهمة، ومن بينها فرص الإنقاذ للبشر والكائنات، علاوة على أنه يسهل أن تتضاعف بضعة حرائق، حينما تكون الغابات متصلة وبأقل حواجز طبيعية بينها، وفي الأيام الخمسة الماضية، فقد نشب 2500 حريق جديد.
حرائق الأمازون، تفوق في خطورتها كارثة الحرائق، التي اندلعت في مساحات شاسعة من غابات سيبيريا في روسيا يوليو الماضي؛ حيث غطت النيران ما مساحته 3 ملايين هكتار.
وظلت النيران مستعرة لأكثر من أربعة أسابيع وأدت إلى إحراق ملايين الأشجار، غير أن عدد السكان هناك أقل مما هو عليه في الأمازون، وكذلك مصادر التنوع الحيوي من دون أن يقلل ذلك من حجم هذه الكارثة.
كان يفترض مع وصف حرائق الأمازون بأنها تنطوي على أزمة بيئية عالمية، أن يتنادى مجلس الأمن بكامل أعضائه الدائمين وغير الدائمين للالتئام والنظر في سبل معالجة هذه الكارثة.
كما كان على الدول الصناعية المتقدمة، أن تعرض خدماتها على الفور للمساهمة في إطفاء هذه الحرائق المهولة، وحتى بدون انتظار تلقي نداءات من الحكومة البرازيلية.
فبما أن المخاطر تتعدى بلداً واحداً، فمن الواجب أن ينهض المجتمع الدولي بمسؤولياته، وحتى لو اقتصر الخطر على البرازيل وحدها، فإن نشوب هذه الكارثة يهدد حياة أكثر من مئتي مليون نسمة، فضلاً عن مصادر الحياة ومظاهرها المختلفة في هذا البلد الشاسع.
ومن دواعي الأسف الشديد، أن يطغى الجدل الداخلي والجدل مع الخارج، على عمليات المكافحة والإنقاذ؛ إذ من الواضح أن إمكانيات هذه الدولة تظل أقل من القدرة على مواجهة كارثة بهذا الحجم.
لكن المكابرة النابعة من تضخم الشعور القومي في غير محله وزمانه، تحول دون مكافحة أكثر نجاعة، ويأمل المرء أن يستيقظ نداء الواجب الإنساني والدولي، في أقرب الآجال، للحد من هذه الكارثة، وإنقاذ كل ما يمكن إنقاذه من كائنات ومصادر الحياة.. وحتى لا يصبح البطء في الاستجابة للمخاطر وحتى اللامبالاة منها، جزءاً من نواميس عالمنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"