قمة الدول الثماني أو التمديد للحرب السورية

04:48 صباحا
قراءة 4 دقائق

لم يكن الموضوع السوري في طليعة موضوعات البحث على قائمة قمة مجموعة الدول الثماني، فمثل هذه القمم مهمتها تظهير اتفاقات تم التوصل إليها في مفاوضات تسبق اجتماع الزعماء أمام كاميرات الصحافة العالمية . وكان واضحاً أن مثل هذا الاتفاق، ولو في حده الأدنى، لم تتوصل إليه القوى المعنية بالملف السوري لاسيما الولايات المتحدة وروسيا . فرغم كل التغيرات التي طرأت على النظام الدولي منذ انهيار جدار برلين في نهاية تسعينات القرن المنصرم لا تزال القوى العظمى هي التي تحكم مسارات الأزمات الدولية الكبرى، وفي أغلب الأحيان على حساب القوى الإقليمية المعنية مباشرة بهذه الأزمات . وهذا يعني أن الأزمة السورية لن تجد حلاً، على الأرجح، إلا عبر الاتفاق بين موسكو وواشنطن، وما يتبقى تفاصيل على هامش هذه الحقيقة .

هل فشل اجتماع قمة الثماني؟ الجواب لا لأنه نجح في تكريس اتفاق كان قد تم التوصل إليه في موضوع مكافحة التهرب الضريبي . هذا التهرب يكلف الاتحاد الأوروبي زهاء العشرة مليارات يورو كما يكلف الاقتصاد العالمي نحو الثلاثين مليار دولار . والمتضررون منه كثيرون منهم القوى الصناعية الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذان يتخبطان في أزمة مالية واقتصادية ويعانيان صعوبات جمة للتفلت من حبائلها . وقد باتت قصة الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو مشهورة عالمياً، فهو غادر فرنسا مع أمواله ليستقبله بوتين في موسكو ويمنحه الجنسية الروسية . وإذا كانت قصته قد اشتهرت بسبب شهرة الممثل نفسه العالمية، فإن هناك قصصاً أخرى لم تشتهر كثيراً، لأصحاب مليارات هرّبوا أموالهم إلى الخارج، ومنها على سبيل المثال قضية وزير المالية الفرنسي السابق جيروم كاهوزاك، الذي كان يفترض أنّ من مهامه مكافحة التهرب الضريبي وتهريب الأموال، واكتُشف بأنه يملك حساباً مصرفياً سرياً في سويسرا فأجبر على الاستقالة بعد أن أحرج الحزب الاشتراكي الذي وصل إلى السلطة مع شعارات مثل مكافحة تهرب الأغنياء من الضرائب وتهريب أموالهم إلى الخارج . ولمواجهة هذه الظاهرة الخطرة على الاقتصاد والمالية أصدرت وزارة المالية الفرنسية مرسوماً يعفي المتهربين من الضرائب من الملاحقات القانونية إذا سارعوا إلى ترتيب أوضاعهم في مهلة محددة . وفي أقل من أسبوعين على هذا الإعلان تقدم خمسة آلاف من الأغنياء الفرنسيين بطلبات لدى الوزارة المذكورة لإعادة ترتيب أوضاعهم الضريبية والمالية . وهذا يعطي فكرة كيف أضحى التهرب الضريبي رياضة وطنية في بلد مثل فرنسا، على سبيل المثال لا الحصر .

اتخذت القمة قرارات تتعلق بالشفافية المالية والضرائبية عبر التبادل الآلي للمعطيات المصرفية والمالية والربحية المتعلقة بالأشخاص والشركات كي لا يجد المتهربون من الضرائب مكاناً في العالم يخبئون أموالهم فيه، كما قال الرئيس هولاند .

لكن المنظمات غير الحكومية أعلنت خيبتها من قرارات القمة التي جاءت أقل من طموح هذه المنظمات التي تناضل من أجل أن تكون المعطيات المالية والمصرفية، المتعلقة بحسابات الشركات وقائمة الأرباح والمستفيدين منها وغيره، مفتوحة أمام الجميع وليس حصراً على الدول الموقعة على اتفاقية بهذا الصدد . لكن ما اتفقت عليه الدول الثماني في القمة خطوة سيعقبها خطوات تلغي عملياً كل الجنات الضريبية بما فيها موناكو وأندور الفرنسيتين ومالوير الأمريكية وفيرجين وبرمودا والجزر البريطانية وسويسرا نفسها التي تمتلك تقليداً عريقاً في مجال السرية المصرفية .

في الموضوع السوري اتفق المراقبون على أن بوتين سجل انتصاراً على الزعماء السبعة الآخرين الذين حاولوا إقناعه بالموافقة على مرحلة انتقالية سورية من دون الرئيس الأسد . لكن الحقيقة أن بوتين لم ينتصر وأولئك لم يخسروا . الخاسر الأكبر هو الشعب السوري الذي يقتل منه العشرات كل يوم في انتظار حل سياسي طال انتظاره رغم أنه آت لا محالة في نهاية المطاف . لقد جاء البيان الختامي للقمة عامّاً يركز على ضرورة اجتماع جنيف -2 من دون أن يحدد تاريخاً له ولا إطاراً متفقاً عليه للحل .

أكثر من ذلك أكد بوتين استمراره في تسليح النظام السوري، لكن هذه الحرب، إذا طالت، إنما تستنزف حلفاء النظام السوري ومنهم روسيا نفسها . أما الولايات المتحدة فلا تشعر بأن الوقت يعمل ضد مصالحها فأعداؤها من الإيرانيين والقاعدة وحزب الله والنظام السوري، هم الذين يتقاتلون ويستنزفون بعضهم بعضاً . وإذا كان البيان الختامي قد تضمن الطلب من النظام السوري ومعارضيه، على حد سواء، بمكافحة تنظيم القاعدة، فلأن هذه النقطة بالذات يتفق عليها كل المجتمعين في قمة بلفاست .

في انتظار قمة العشرين المقبلة في 4 و5 سبتمبر/ أيلول المقبل، التي ستلتئم بعد يوم واحد من القمة الثنائية بين بوتين وأوباما، فعلى الأرجح أن يترك للمعطيات الميدانية تقرير وجهة هاتين القمتين . وفي الانتظار يبدو أن لا لزوم لاجتماع جنيف -2 الذي كان مقرراً في يونيو/ حزيران ثم تأجل إلى يوليو/ تموز والآن يتكلمون عن أغسطس/ آب . على الأرجح أنه سيؤجل إلى ما بعد القمتين المذكورتين ليبنى عليهما . بمعنى آخر يمكن القول إن قمة الدول الثماني قررت التمديد للحرب السورية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"