تهديد «إسرائيلي» جديد

02:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
نبيل سالم

على الرغم من أن تصريحات وممارسات رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، كلها في الآونة الأخيرة، لا تبتعد كثيراً عن حملاته الانتخابية التي يسوق نفسه من خلالها عبر ممارسة المزيد من التطرف، لكسب اليمين «الإسرائيلي» وتحديداً المتشددين، فإن تصريحاته الأخيرة بشأن تعهده بضم المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، يجب التوقف عندها بجدية؛ إذ إنه على الرغم من سعيه لتعزيز قاعدته اليمينية قبل الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في السابع عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، بمثل هذه التصريحات، فإنها لا تمثل في الواقع إلا استمراراً لنهجه اليميني المتطرف الذي عبر عنه خلال طوال وجوده في سدة القرار.
بهذه التصريحات لا يقدم نتنياهو في الواقع أي جديد، على صعيد السياسات «الإسرائيلية» المتطرفة على مدى سنوات الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» أياً كانت الجهة الحاكمة في «إسرائيل»، لكنه يسعى في واقع الأمر مع حزبه (الليكود) إلى زيادة إقبال الناخبين وانتزاع الأصوات من الأحزاب اليمينية الأخرى القريبة من الحركة الاستيطانية.
لكن ما يُلفت النظر دائماً هو إصرار نتنياهو؛ بل وجميع اليمينيين في «إسرائيل» وحتى بعض اليساريين، على الاستعانة بالأساطير التوراتية واستنهاض المشاعر الدينية لدى اليهود، حيث أكد أمام جمهوره في مستوطنة «إلكانا» في الضفة الغربية أنه سيطبق السيادة اليهودية على جميع المجتمعات بعون الله، كجزء من أرض «إسرائيل» التوراتية وكجزء من «دولة إسرائيل» على حد تعبيره.
ودفعت هذه التصريحات المتطرفة السلطة الفلسطينية إلى إدانتها، والمطالبة بتحرك دولي يحد من جموح التطرف والصلف «الإسرائيليين»، لما يشكله ذلك من خطر على أي محاولات يسعى إليها المجتمع الدولي من أجل تسوية سلمية للصراع توصل إلى الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال كشرطين لا بد منهما لتحقيق السلام في هذه المنطقة.
في تعقيبه على تصريحات نتنياهو، رد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، بانتقاده لهذه التصريحات، داعياً المجتمع الدولي إلى التحرك. والحقيقة التي لابد من التوقف عندها هنا، وفي كل مرة يتم فيها الحديث عن الاستيطان اليهودي هي أن فلسفة الاستيطان لا تعد ولا يمكن أن تعتبر تكتيكاً «إسرائيلياً» أو شعارات انتخابية، كما يبدو للبعض أحياناً، وإنما هي الأساس الذي قام عليه المشروع «الإسرائيلي» الاحتلالي العنصري على أنقاض الوطن الفلسطيني، منذ بدايات المشروع الصهيوني وحتى يومنا هذا، حيث اعتمدت الحركة الصهيونية الشعارات والأساطير الدينية لتجييش اليهود ودفعهم إلى الاستيطان، فيما سمته أرض الميعاد.
ومن يتمعن في فلسفة الحركة الصهيونية يكتشف من دون عناء أن هذه الفلسفة وما نتج عنها وتجسد في المشروع «الإسرائيلي» بالمنطقة، قامت على ثلاثة أساطير توراتية هي: أسطورة الشعب المختار؛ أي أن اليهود أمة مفضلة على الآخرين، وأسطورة الميثاق التي ترتكز على الارتباط السرمدي الدائم بين الشعب المختار والأرض المقدسة، كما وعد ربهم يهوده، أما الأسطورة الثالثة فهي عودة المسيح المرتقب.
وبواسطة الأساطير التي يستخدمها قادة «إسرائيل» يتم حشد اليهود المنتشرين في أنحاء أوروبا، لتأسيس المشروع الاستيطاني «الإسرائيلي» في فلسطين. وبمعنى آخر، فإن فلسفة الاستيطان والاستيلاء على الأراضي العربية، هي فلسفة في عمق الفكر الصهيوني، والتهديد بضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ليس إلا بداية لضم الضفة الغربية كلها، لا سيما إذا علمنا أن المستوطنات اليهودية تنتشر بالعشرات على كامل الأراضي الفلسطينية، وضمها يعني عملياً، إلغاء أي إمكانية مهما صغرت لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967، والتي قبلت بها منظمة التحرير الفلسطينية على الرغم من أنها لا تمثل أكثر من 20% من كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعليه، فإن تصريحات نتنياهو الأخيرة سواء أخذت على أنها حملات انتخابية أو لا، تعكس حقيقة الفهم «الإسرائيلي» للسلام، ألا وهو فرض الاستسلام على العرب واحتلال المزيد من الأراضي العربية، مما يعني أن المراهنين على السلام مع «إسرائيل» سيبقون كمن يشيد قصراً في الرمال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"