الجُزُر الثلاث والعلاقات العربية - الإيرانية

04:25 صباحا
قراءة 3 دقائق

بينما كان العالم منشغلاً بتطورات النزاع بين طهران وشطر كبير من المجتمع الدولي بخصوص الملف النووي الإيراني وما تخلل ذلك من مباحثات إيرانية وغربية أمريكية في أنقرة، جرى تصعيد مفاجىء من طهران بخصوص جزر الإمارات الثلاث، إذ قام الرئيس محمود أحمدي نجاد يوم 11 إبريل/ نيسان بزيارة لإحدى هذه الجزر هي جزيرة أبو موسى، ووصفت دولة الإمارات الزيارة ب الاستفزازية واستدعت سفيرها من طهران .

واقع الأمر أن مثل هذه الاستفزازات تتعاقب بصورة دورية، مصحوبة ببث رسائل إعلامية عن أهمية التعاون والتضامن بين دول منطقة الخليج في وجه قوى الاستكبار . وقد سبق لدول المنطقة أن عانت من نزعات عدائية وتوسعية في ظل النظام العراقي السابق، وليس سراً أن تلك النزعات من الشقيق الجار كانت وراء تشكيل مجلس التعاون أواسط ثمانينات القرن الماضي . وها هي هذه الدول تتعرض بين آونة أخرى لنزعات مشابهة من الجار المسلم، ومع ذلك فإنه مطلوب من هذه الدول أن تقف مع طهران في الموقف من الملف النووي الإيراني، علماً أن هذه الدول من أكثر وأقرب المتضررين من سباق التسلح غير التقليدي، في حال ذهبت طهران بعيداً في طموحاتها النووية، وهو ما يفسر التطلعات المعلنة لنقل مجلس التعاون إلى صيغة اتحادية .

ملف الجزر الثلاث من أكثر الشواهد، على الصعوبة الموضوعية في إقامة علاقات طيبة ووثيقة بين دول مجلس التعاون وطهران، التي ترفض التقدم نحو وضع حل لهذه القضية التي مضى عليها أكثر من أربعة عقود . فقبيل اعلان الانسحاب البريطاني من دولة الإمارات، استولت طهران في عهد الشاه على نصف جزيرة أبو موسى وابتلعت معها جزيرتي طنب الكبرى والصغرى . وقد أعادت الجمهورية الإسلامية في عهد الثورة النظر في مجمل سياسة إيران الإقليمية والدولية، باستثناء الموقف من الجزر الثلاث التي احتفظت بها، واحتلت النصف الثاني لجزيرة أبو موسى .

وبينما تعرض دولة الإمارات حلاً تفاوضياً أو اللجوء إلى التحكيم الدولي، فإن طهران اختارت سياسة التسويف مصحوبة بمحاولة تكريس الأمر الواقع . التسويف بإعلان طهران تارةً استعدادها لمباحثات ثنائية حول المسألة، والمقصود مجرد التداول في الأمر لا التفاوض حوله، وتارةً أخرى برفضها أي انشغال خليجي أو عربي أو إسلامي أو دولي بالمسألة . ومن الواضح أن هذه القضية تُسمّم العلاقات الإيرانية - الخليجية، ثم علاقات طهران مع بقية الدول العربية . وقد دأبت القمم العربية واجتماعات المجالس الوزارية العربية على إدانة هذا السلوك والدعوة لحل سياسي يحفظ لدولة الإمارات حقوقها، ولا تجد طهران ما ترد به سوى الدعوة إلى ما تسميه ب عدم التدخل في شؤونها الداخلية . وقد فعل ذلك مجلس النواب الإيراني مؤخراً، ذو الأكثرية النيابية المؤيدة للسلطات . وهذه الإشارة المتكررة عن الشؤون الداخلية، لا تخفي نوايا دوام الاستيلاء على الجزر، وإدارة الظهر لكل الحلول السياسية والتفاوضية .

وبما أن الجيران في الجوار الجغرافي يبقون جيراناً إلى الأبد، فإن بناء الثقة المتبادلة واحترام حقوق ومصالح كل طرف، يشكلان أساساً لعلاقات وطيدة دائمة ومثمرة، تنعكس رخاء على الشعوب واستقراراً للكيانات السياسية، وهو ما يتطلع اليه العرب مع شريكهم في الحضارة الإسلامية الجار الإيراني .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"