أمريكا الحائرة أمام الصين

03:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

كل خطوة تخطوها الصين على طريق الازدهار الاقتصادي والتمدد الدولي تثير قلق أمريكا، وتثبت أن نابليون بونابرت كان محقاً عندما تنبأ بأن العالم سيهتز إذا استيقظ العملاق الصيني. بالطبع لم يفكر الإمبراطور الفرنسي الراحل يومها في الولايات المتحدة، فلم تكن قد أصبحت قوة عظمى، لكن المؤكد أنها حالياً أكثر من ينتابه الخوف من صحوة العملاق الصيني.
لا يتحدث الباحثون الأمريكيون عن حرب باردة محتملة مع الصين؛ لأن هذه الحرب قائمة بالفعل منذ سنوات، ولكنها مختلفة إلى حد كبير عن مثيلتها التي دارت مع الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى انهيار الإمبراطورية الحمراء. ما يُشغل الأمريكيون هو دراسة أوجه التشابه والاختلاف بين الحربين، واستخلاص الدروس أملاً في تكرار النصر.
الاختلاف الأهم هو أن الحرب الأولى دارت رحاها على وقع سباق تسلح وتوازن رعب نووي، منع الطرفين من الانزلاق إلى حرب دامية. في المقابل تجري وقائع الحرب الباردة الجديدة في ظل تنافس اقتصادي وتكنولوجي ميدانه الفضاء الإلكتروني والعالم الافتراضي.
وبينما كانت أدوات المواجهة القديمة هي الدبابات والرؤوس النووية والجيوش النظامية؛ أي كل ما هو كبير وضخم، فإن الحرب الجديدة يتسلح طرفاها بكل ما هو صغير؛ بل متناهي الصغر من أشباه الموصلات والدوائر والرقائق الإلكترونية.
ما يثير قلق الأمريكيين أكثر، هو أن عدوهم الصيني أكثر خطراً وتطوراً من العدو السوفييتي؛ بل إن الصينيين ربما تفوقوا على الأمريكيين في بعض الجوانب. يثير قلقهم أيضاً أن الصينيين لا يعتبرون المواجهة مجرد سباق للاستحواذ على الأسواق والنفوذ والثروة فسحب؛ لكنه قبل أي شيء معركة كرامة لرد الاعتبار وتضميد جراحهم القومية التي تسببت فيها عقود من المهانة والاتفاقيات المجحفة التي فرضها عليهم الغرب.
تزداد شراسة المواجهة وتعقيداتها عند الأخذ في الاعتبار بمفردات القوة الصينية التي لم تتوفر للاتحاد السوفييتي، وفي مقدمتها الموقع الجغرافي الذي يوفر للبلاد سواحل يزيد طولها على تسعة آلاف ميل من المياه الدافئة المتاخمة لخطوط الملاحة الرئيسية في آسيا، بينما كان الاتحاد السوفييتي محاصراً في محيط جليدي معظم العام. ولا نغفل أيضاً التطور التكنولوجي والاقتصادي للصين مقارنة بموسكو التي لم تكن تنتج سوى القليل جداً من السلع القابلة للتصدير، في حين توصف الصين بأنها مصنع العالم.
وعند الحديث عن القوة الصناعية والتجارية للصين، يعتقد الكاتب الأمريكي روبرت كابلان في مقال نشرته «أمريكان إنتريست»، أنه لا داعي لاستدعاء أرقام الفائض التجاري الذي تحققه من مبادلاتها مع أمريكا؛ بل تكفي الإشارة إلى قطاع واحد هو الجيل الثالث من الهواتف المحمولة الذي تجاوزت مبيعاته 122 مليار دولار في 2019. ولا تكاد توجد شركة للصناعات الإلكترونية في العالم إلا وتدخل في منتجاتها مكونات صينية الصنع.
وهكذا، فإنه بسبب تغلغل الصين في الأسواق والصناعات، وبفضل شبكة علاقاتها واستثماراتها العالمية الهائلة، فليس بوسع واشنطن عزلها أو احتواء نفوذها. وإذا كانت واشنطن قد مدت جسور التعاون معها إبان حكم نيكسون لإحكام الحصار على الاتحاد السوفييتي، مستغلة الخلاف الأيديولوجي والسياسي بين الجارين الشيوعيين، فإن التاريخ لن يعيد نفسه، فلا يمكنها التقارب مع روسيا لحصار الصين فقد بات الجاران حليفين يتعاونان لمواجهة الهيمنة الأمريكية.
وتمثل السياسة قصيرة النظر التي تتعامل بها إدارة الرئيس دونالد ترامب مع الصين عقبة أخرى أمام تحقيق النصر، حيث تختزل الخلاف معها في قضية العجز التجاري، بينما الملف أكبر وأكثر تعقيداً وتشعّباً. كما أن خطابه الاستعلائي يستفز التيار المعتدل داخل الصين بدلاً من استمالته والاستفادة من توجهاته الليبرالية، ومرونته وانفتاحه على الغرب عكس الشيوعيين المتشددين.
لا يفعل ترامب سوى توحيد خصوم الداخل بدلاً من استثمار خلافاتهم وتناقضاتهم وتعميقها، تماماً كما يحدث مع إيران. ولا غرابة في ذلك، فهي نفس العقلية، ومن ثم نفس الأخطاء، ونفس النتائج.
ما أسعد أعداء أمريكا بوجود ترامب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"