نبوءات ترامب الأسطورية

03:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

ليس كل ما يقوله السياسيون صحيحاً دائماً، حديثهم يأتي غالباً مسكوناً بالأكاذيب والمبالغات كتلك التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يحاول صد سهام النقد والمطالبات بمحاكمته وعزله بعد ثبوت التهم الموجهة إلى محاميه ومدير حملته الانتخابية السابقين. دفوعات ترامب وتحذيراته من عواقب كارثة عزله جاءت عصبية متوترة مكسوة بنغمة «عالم ثالثية» لا سيما وهو يتوعد مواطنيه بالفوضى إن هو رحل.
أرغى ترامب وأزبد مستثيراً مخاوف شعبه بعد أن أنبأه بكوارث اقتصادية هائلة ليس أقلها السقوط في مستنقع الفقر وانهيار البورصات الأمريكية والعالمية.
وكما أن محاكمة ترامب وعزله من جانب مجلس الشيوخ وفقاً للدستور هو أمر مستبعد حالياً في ظل الأغلبية الجمهورية، فإن الكوارث الاقتصادية التي تحدث عنها أمر مستبعد أيضاً على الأقل في هذه المرحلة من الأزمة السياسية التي تحكم خناقها عليه.
لن يكون هناك فقر، ولن تنهار البورصات أو تهوي الأسهم. على العكس من ذلك لا يبدو «وول ستريت» منزعجاً حتى الآن بما يجري في واشنطن، وهي حقيقة يؤكدها مات ريجان المحلل المالي لشبكة «سي إن إن». وليس أدل على ذلك من أن مؤشر «ستاندر أند بورز»سجل قفزة قياسية في نفس اليوم الذي شهد المحاكمة الشهيرة لمحامي ومدير حملة ترامب السابقين.
رد فعل وول ستريت (أو بمعنى أدق عدم رد فعله) يوضح، والكلام لريجان كيف أن المستثمرين أصبحوا معتادين على الفوضى السياسية المحيطة بإدارة ترامب منذ بداية عملها. وطالما ظلت هذه الفوضى بمستوياتها الحالية وتحت السيطرة، وبلا تهديد للاقتصاد فلن تؤثر على البوصات.
نفس هذه الحقيقة عبر عنها بأسلوب ساخر خبير مالي آخر هو نيكولاس كولاس الشريك المؤسس لمجموعة «داتا تريك» للأبحاث عندما قال: إن الأسواق باتت تعرف أن هناك سيركاً سياسياً حقيقياً منصوباً في واشنطن منذ بداية حكم ترامب. ما يجب أن يكون واضحاً هو أن المستثمرين لا يعنيهم في الواقع من هو الرئيس. ما يهمهم أولاً وقبل أي شيء هو الأرباح ومعدلات الفائدة.
والواقع كما يسجله كولاس هو أن الأرباح تتضخم بفضل اقتصاد قوي سجل نمواً بلغ 4,1% في الربع الأخير وهو الأعلى في أربعة أعوام. بينما انخفضت معدلات البطالة إلى 3,9% في يوليو/تموز وليس للأزمة السياسية الحالية تأثير على كل ذلك.
ولكن إلى أي مدى ستبقى الأسواق بمنأى عن الهزات السياسية العنيفة التي يرتج لها عرش ترامب؟ يجيب عن هذا السؤال الخبير الاستراتيجي في آليات الأسواق آرت هوجان بقوله: إن الأمر يتوقف على مجريات الأحداث وتطورها من ناحية، واستشعار الرأي العام لخطورتها وعواقبها من ناحية أخرى.
وفي حالة أحس الجمهور بأن الأوضاع لن تكون على ما يرام سيبدأ المزاج العام في التغيير، ومن ثم يتغير السلوك الإنفاقي بما يترتب عليه من تداعيات اقتصادية. حتى الآن كما يرى هوجان لا يوجد شيء يوحي بأن الأسواق تسير على هذا الدرب بدليل انتعاش مبيعات التجزئة حيث سجل مؤشر «تي جي تي» أعلى نمو في المبيعات خلال 13 سنة.
التاريخ أيضاً مؤشر جيد يمكن القياس عليه، وهو يوضح أن «وول ستريت» يمكن أن يتغلب على الدراما السياسية في واشنطن في ظل بيئة اقتصادية صحية. وعلى سبيل المثال فإن مؤشر«ستاندر أند بورز» ارتفع بنسبة 27% عام 1998 ثم 20% في العام التالي في ذروة تداعيات أزمة محاكمة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون أمام الكونجرس، ومحاولة عزله بسبب فضيحة علاقته بمتدربة في البيت الأبيض.
وقتها أفلت كلينتون من العزل بأعجوبة بفضل الأغلبية الديمقراطية في المجلس من ناحية، وانتعاش الاقتصاد من ناحية أخرى. نفس السيناريو يتكرر الآن: أغلبية جمهورية في الكونجرس، اقتصاد مزدهر، رئيس تحاصره الفضائح. ويبدو أن النتيجة ستأتي متشابهة أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"