ساعات الجمر

على الوتر
04:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

نفس الوجوه التي طالعناها في الجزء الأول من مسلسل الولادة من الخاصرة العام الماضي، نطالعها هذا العام في جزئه الثاني ساعات الجمر مع استثناءات قليلة، ولكنها عادت بعد أن تغيرت الملامح، وتبدلت السلوكيات، وعلت الأصوات التي كانت مرتعشة خافتة، وتمرد وصرخ الصامتون الراضون بالأمر الواقع، وكأنهم يسعون للعصيان والتغيير .

شخصية جابر التي يؤديها باقتدار الفنان قصي خولي لم تتطور، ولكنها قفزت، وانقلب حالها تماماً، فبعد أن كان شاباً بسيطاً وفقيراً، محباً للناس، راضياً بالقضاء والقدر، باع نفسه بلا ثمن لحل مشكلاته وتعرض للنصب والقهر والإذلال، لينتقل إلى الضفة الأخرى، ويتبدل ضعفه جبروتاً، يسعى للانتقام، ويسلك طرقاً وعرة حتى يصبح أداة في أيدي الكبار، يستغلونه في بيزنس غير مشروع، ويغدقون عليه ويغيرون مظهره إلى الأفضل وجوهره إلى الأسوأ .

الكاتب سامر رضوان شطح بعيداً عن المنطق خلال رسمه لشخصية جابر في ساعات الجمر، فقد كنا ننتظر منه انفجاراً وثورة وغضباً عارماً، لا أن يتحول إلى انتهازي وصولي، خصوصاً أنه كان في الجزء الأول، الخائف، المرتجف، المداس، المنغلق، الخاضع، الملتزم، المطيع، كلها صفات لا يمكن أن تخلق شخصاً انتهازياً ولكنها نتيجة الضغط من كل جانب يمكن أن تنفجر .

أبو مقداد والذي يجسده الفنان فادي صبيح، وقد كان الانتهازي الشرير الذي لا يقدر عليه أحد، والذي ابتز أهل منطقته، وتمدد نشاطه خارجها، في ساعات الجمر انتقم منه جابر وحرق دكانه، وقطع . . أبو نيبال ساقه، ليتحول إلى شخص عاجز ومقعد .

أما وليد فقد تبدل حاله من شاب مستغل نصاب إلى مشوّه، يسعى لإحراق البلد بكامله انتقاماً، ولكنه عاجز أمام جبروت غريمه جابر الذي كان بالأمس أضعف الناس .

وعلى الجانب الآخر، جانب السلطة وما فيها من فساد، نتابع تطورات شخصية الضابط رؤوف ويجسده الفنان عابد فهد، بعد أن تم سجنه نتيجة الجرائم المتعددة التي ارتكبها في حق زوجته السابقة سماهر وأهلها، وفي حق كل المحيطين به والمتعاملين معه، وفي السجن يشرب من كأس الذل الذي سقاه للكثيرين، وداخل الزنزانة يثور ويصرخ متذكراً أمجاده في قهر الناس كنت لما أدعس بالشام بلح حلب يرجف .

ويخرج من السجن، بعد أن هدد آخرين من الكبار بالكشف عن فضائحهم، ليصول ويجول فساداً في الأرض، ويعود إلى الخدمة في نفس مكتبه وبنفس سلطاته، وبنفس جبروته وقهره وظلمه للناس، وكأنه لم يتعلم من الدرس شيئاً، وهو ما يمكن أن لا يتقبله المشاهد، وإن أراد المؤلف والمخرجة من خلاله القول إن الفاسدين من أهل السلطة لا يتغيرون ولا يتعلمون ولا يتعظون مهما حدث من حولهم، وإنهم يتوهمون أنهم يمتلكون العالم طالما هم جالسون على الكرسي .

في المقابل نجد بعض الشخصيات التي تعبر عن الأصالة، ممن يحملون القيم والمبادئ لم يتغيروا، ولم تتبدل ملامحهم، وعلى رأسهم أم جابر منى واصف وزوجته وشقيقته وصديقه أبو الزين الذي تخلص من الخوف وحطم قيوده من دون أن يتجاوز أخلاقياً .

المخرجة الموهوبة رشا شربتجي والمؤلف سامر رضوان أضافا شخصيات تكرس للفساد في الجزء الثاني وأهمهم أبو نبال شيخ الوادي والذي يجسده باسم ياخور وهو من نماذج المافيا ويستخدمه أصحاب النفوذ لتحقيق مآربهم، وأيضاً الشخصية التي تؤديها الفنانة الجزائرية أمل بوشوشة، وهي نموذج نسائي للانتهازية، وليت أمل تخفف من هز الرأس في الأداء لأنه لا يزعج المشاهدين فقط ولكنه يصيبهم بالتوتر .

ساعات الجمر مسلسل لونه قاتم وشخصياته مشوهة وأحداثه مزعجة وعلاقاته غير سوية، ويبلغ التوتر فيه ذروة يصيب معها المشاهد به، ويحس أمام ما يدور فيه أننا نعيش في عالم من الفساد والقهر والظلم والتسلط، ويدعو الناس لموقف يطرد الخوف من داخلهم والفساد من مجتمعاتهم والظلم من محيطهم والولادة المقصودة في هذا الجزء، هي ولادة الرفض والاحتجاج من خاصرة المجتمع .

رشا شربتجي لا تحتاج إلى شهادة من أحد على تميزها، ولكن اتضح أن مسلسلات الأجزاء دائماً ما يأتي فيها التالي أضعف من السابق، وهو ما حدث في مسلسل الولادة من الخاصرة الذي أجمع المشاهدون والنقاد على أنه الأفضل العام الماضي، ليأتي الجزء الثاني أضعف وبأحداث وتطورات درامية بعيدة عن المنطق، ناهيك عن رداءة الصوت في معظم الحلقات، وارتفاع صوت الموسيقا والمؤثرات على أصوات الشخصيات الدرامية، ولذا نتمنى من الموهوبة رشا شربتجي أن تكذب الأخبار التي تتحدث عن جزء ثالث، أو على الأقل تعتذر عن إخراجه .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"