حاضر المتكلمين

04:40 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

يقال إن اللغة هي سرد لتاريخ المتكلمين وانعكاس لجوهر حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وثقافتهم السائدة، وهي كذلك حاضرهم الذي يشي بالكثير، مما يجري عليهم من صروف الدهر وتقلباته ويجيب على تساؤل: ماذا يعني أن نتكلم لغة، وفي وضعنا، ماذا يعني أن نتكلم العربية؟

في قاموس القرن الحادي والعشرين الذي أصدره «جاك أتالي» عام ١٩٩٨، ورد أن «ما من لغة سوف تفرض نفسها كلغة عالمية. اللغة الأولى التي ستستخدم في العالم هي الصينية ومجمل تفرعاتها متخطية حتى الإنجليزية التي ستبقى لغة الدبلوماسية والتجارة والإنترنت»، وهذه النبوءة التي لا تستند إلى دراسة علمية تشير إلى حلم فلسفي بأن تكون هناك لغة عالمية مثالية وفريدة ينتجها المهيمن الاقتصادي بالدرجة الأولى والذي يتراوح بين شرق الكوكب وغربه، كما أنها تعكس استحالة أن تتحول لغة بمفردها ومهما كان انتشارها إلى اللغة الوحيدة للمستقبل.

وما يعنينا فيما سبق، هو الجدل القائم حتى اللحظة حول موقع اللغة العربية وأهميته وانقسام الأطراف إلى مطالبة بالعودة إلى الجذور المثالية الفلسفية والعلمية، وإلى أطراف متفائلة بالعولمة التي طالت اللغات فيما طالته في حياة البشر، لكن ما هي حاجتنا إلى العودة أو الانتقال إلى المستقبل؟ تحدد ذلك معطيات كثيرة أهمها حاجتنا لتحقيق تواصل عالمي فعال ومؤثر في التاريخ البشري انطلاقاً من هويتنا ممثلة باللغة العربية، التي أثبتت يوما قدرتها على الإبداع المعرفي والفكري وصناعة الحياة في عصور النور التي عشناها زمناً، ولماذا نعتقد أن اللغات الأخرى يمكن أن تشكل تهديداً صارخاً على وجودنا وهويتنا العربية، على اعتبار أن هذا الوجود لا يعيق انتشار لغتنا، بل إنه يحقق تنوعاً ملحوظاً في هوية الإنسان العربي /زين ما كان.

هناك لغات هامشية كثيرة مهددة بالانقراض تصل إلى معدل عشرين لغة سنوياً، أي أن هناك ١٦٪ من لغات العالم سوف تختفي بحلول عام ٢٠٣٦، كما أن هناك طلائع للغات جديدة متفرعة من لغات مركزية، إلا أننا لا يمكن أن نتخيل تهديداً من انتشار الإنجليزية بحكم الواقع لا القانون على الصعيد العالمي، وخصوصاً مع وجود حفاظ اللغات العالمية، ومن بينها العربية على مكانتها كلغة رسمية وشعبية، مدعومة بالسياسات اللغوية المتبعة في الدول المختلفة، والاحترام الدولي لها منظومة إنسانية وحضارية.

وأخيراً، فالتكنولوجيات الحديثة وبعكس التشاؤم السائد يمكن أن تمثل فضاء للحرية اللغوية، حيث يمكن للعربية أن تتطور وتنمو وتؤثر، بفضل ملايين المستخدمين، الروح الجمعية العربية والتي لا يمكن تجاهل تأثيرها الكبير في هذا الحراك نحو تعزيز استخدام اللغة العربية في الشأن اليومي الاجتماعي والوظيفي، وتوجيه مساراتها في ما يصب في صالح مستقبل متكلميها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"