القمم العربية العاجزة تحتاج لإصلاح

04:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

في كل اجتماع قمة للرؤساء العرب يطرح السؤال الآتي: هل أن القادة يذهبون لحضور اجتماع من متطلبات واقع الأمة والتزاماتهم نحو قضاياها الكبرى، أم أنهم يحضرون كتكريم منهم لرئيس القطر الذي تنعقد فيه اجتماعات القمة؟

وإلا فما دخل الخلافات الثنائية أو المشاكل العالقة بين هذا القطر أو ذاك مع القطر المضيف في الغياب عن حضور هذا الاجتماع السنوي اليتيم وإرسال من ينوبون من مسؤولي الدرجة الثانية، وحتى الثالثة؟

ويا ليت أن الأمر يقف عند هذا الحد، إذ يضاف إلى ضعف التمثيل، كون الاجتماعات قصيرة في مددها ولا تتناسب مع عظم قضايا الأمة وتعقيداتها، بل إن قسماً كبيراً من الوقت يصرف على المظاهر البروتوكولية وخطابات الافتتاح، وغياب الجدية .

بصراحة تامة، ما هي الرسالة التي يريد القادة العرب إرسالها إلى أمتهم، وإلى العالم كله، وإلى أعداء هذه الأمة، وذلك من خلال استخفافهم باجتماعات المؤسسة التي هم أوجدوها؟ يريدون التأكيد على أن القرارات الحقيقية المهمة بشأن قضايا الأمة المفصلية تؤخذ خارج اجتماعات القمة وبتنسيق مع دول غير عربية، وبالتالي فإن القمم العربية ليست أكثر من صوت يتردد بدلاً عن الغائب؟ أم أنهم يؤكدون ما يعرفه الجميع من وجود شلل للإرادة السياسية القومية المشتركة، ووجود ضعف شديد في الحلقات الرئيسية للسلسلة المكونة للنظام الإقليمي العربي التي كانت تقود، فأصابها الشلل والعجز والخوف والإنغلاق على الذات في السنين العجاف التي نعيشها؟

أياً يكن الجواب، فإن الوضع السلبي المفجع الذي تعيشه هذه المؤسسة منذ عقود، والذي أفقد مؤتمرات القمة العربية احترام أمتها واحترام العالم، والذي جعل الكل يستخف بقراراتها ومداولات أعضائها، هذا الوضع يستحق أن يقود الى مراجعة حذرية لأهداف وأساليب عمل ووظيفة أعلى مؤسسة سياسية في الحياة العربية . وحتى حين امتلاك دولة عضو أو مجموعة دول أعضاء، للشجاعة والغيرة والالتزام القومي ويتقدمون بمقترحات المراجعة والإصلاح، فإن بالإمكان البدء بإصلاحات إجرائية تساعد على إخراج مؤسسة القمة من الورطة التي تعيشها .

مثلاً، ألا يمكن الاتفاق على عدم التعليق أو التصريح بشأن بنود جدول أعمال القمة، سواء من القادة أو حكوماتهم خلال الشهر الذي يسبق القمة وعند الوصول الى البلد المضيف، وذلك من أجل تجنب الدخول في مناكفات بين الدول ،أو وضع الاجتماعات في جو سلبي محبط قبل انعقادها؟ فإن يصرح أحدهم بأن القمة قد تضطر لوضع ضغوط على رئيس الوزراء الصهيوني وتنضم الى الضغوط الدولية، ألا يعني هذا التصريح أن الحد الأعلى الذي يجب أن يتوقع من مؤتمر القمة لن يزيد في مستواه وشدته عن الحد الأعلى الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية أو اللجنة الرباعية الدولية؟ وهو بالطبع حد أعلى بالغ الضعف وبالغ الانحياز للكيان الصهيوني . ألا تؤدي مثل هذه التصريحات الى إيجاد جو عاجز سقيم يسبق انعقاد المؤتمر؟ بل أكثر من ذلك، وبصراحة تامة، أليست بعض التصريحات هي من وحي الدوائر الأمريكية أو الصهيونية، وبالتالي سينطبق عليها المثل المشهورة إياكِ أعني فاسمعي يا جارة؟

ألا يمكن تمديد الجلسات لإجراء تبادل وجهات نظر متعمقة قد تغير هذا الموقف أو ذاك، أو تدفع نحو مواقف أفضل؟ ألا يمكن وضع حد واضح بين السيادة الوطنية والسيادة القومية؟ ألا يمكن إجراء استفتاءات ارشادية لعينات من مواطني الدول الأعضاء بشأن القضايا الكبرى المطروحة على اجتماعات القمة للاستئناس بها من جهة، ولأخذها كسبب لاتخاذ هذا القرار أو ذاك من جهة أخرى؟

ألا يمكن الطلب من مراكز أبحاث أو من اجتماعات عصف فكري سياسي تقديم رؤى عن فوائد أو مضار اتخاذ هذا القرار أو ذاك قبل مؤتمرات القمة، وذلك لمساعدة المؤسسة على اتخاذ قرارات متوازنة؟

الأسئلة كثيرة والأمل ضعيف في مؤسسة أصبحت تغوص سنة بعد سنة، أعمق فأعمق، في وحل عجزها وقلة حيلتها وانفصالها عن أحلام وآمال شعوبها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"