عن القرار الأخير لمجلس الأمن

02:44 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعزيز المقالح

لم يكن القرار الأول الذي يصدره مجلس الأمن بشأن جزئية من جزئيات الشأن الفلسطيني، فقد سبقته قرارات كُثر من هذا المجلس، ومن الجمعية العامة للمنظمة الدولية. ومن أهم القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة قرار يدين الصهيونية بالعنصرية، وإذا كانت الجمعية قد عادت تحت ضغوط النفوذ الأمريكي -إلى سحب هذا القرار- فإن الإجماع الدولي على عنصرية الصهيونية لم يتغير، بل يزيد نظراً لممارسات كيانها ضد كل ما هو فلسطيني، وعربي وإنساني.
وليس غريباً أن يجد بعض الأشقاء الفلسطينيين في هذا القرار انتصاراً في موضوع وقف الاستيطان، فقد طال انتظارهم لموقف دولي يلامس هذا الشأن المخيف الذي يمكِّن الاحتلال الصهيوني من قضم ما تبقى في أيدي الأشقاء من أرض فلسطين، لكن الغريب أن تهلل للقرار بعض الأنظمة، مع أنه لا يشير من قريب أو بعيد إلى اقتلاع المستوطنات التي تم بناؤها والتوسع فيها تحت قوة النار والحديد، كما أن القرار لم يشر من قريب أو بعيد أيضاً، إلى ضرورة البدء باتخاذ خطوات عملية في التنفيذ بشأن الكثير من القرارات السابقة.
إن الدول العربية، وغير العربية التي أسهمت في إصدار هذا القرار مشكورة، وسيُذكر لها ما بذلته من جهد في إخراج القرار إلى حيز الوجود، وبالإجماع، لكن، ولكي يتكلل عملها بالنجاح لا بد أن تتابع مجلس الأمن قبل أن ينام، وقبل أن يطوي القرار في ملف النسيان، بضرورة التصدي للكيان الذي أعلن رفضه للقرار، وسخريته من جهة الإصدار، مسنوداً بتصريحات الرئيس القادم للولايات المتحدة الذي يبدو صهيونياً أكثر من قادة الصهيونية. سيكون الجهد شاقاً، والعمل على وضع القرار موضع التنفيذ، إذ يتطلب تضافر كل الدول العربية، وأصدقائها في الشرق والغرب، وداخل الولايات المتحدة نفسها، والخبرات السالفة مع المجلس تؤكد عدم احترامه لما يصدره من قرارات، وعدم الشعور بما يترتب على ذلك من نتائج خطرة في حقه، وحق الأمن الدولي. فإذا كانت قرارات أعلى سلطة تمثل المجتمع الدولي عاجزة عن تنفيذ ما تصدره من قرارات، وعاجزة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه أمن العالم وسلامة الشعوب من السطو على أراضيها والاعتداء على سيادتها، فعلى المجلس وجمعيته العامة السلام.
وهنا لا مناص من أن نتذكر أن شعوباً كثيرة من الشعوب الممثلة في الأمم المتحدة تشكو ضعف هذه المنظمة، وضعف مجلسها، وترى في مقدمة أسباب هذا الضعف، وأهمها وجودها في بلد لا ينظر قادته إليها بوصفها منظمة دولية تمثل كل دول العالم تقريباً، بل جهاز من أجهزة وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن، وأن كل شأن دولي تتم مناقشته داخل مقر هذه المنظمة ينبغي أن تكون لصاحبة المقر الرأي النهائي، وحق إيقاف كل قرار لا توافق عليه، وهو موضوع يتم تداوله منذ فترة، ويسهم في تداوله وفي التأكيد عليه دول ممثلة في الخمسة الكبار أصحاب «الفيتو»، والزمن يمر والمنظمة الدولية تزداد ضعفاً واستسلاماً لواشنطن. وحديث نقل المقر - على أهميته - لا يتجاوز الهمسات والشائعات، كأنه من الأمور المحظورة على شعوب تمتلك حريتها ولها حق إبداء الرأي والاختيار. فمتى يحين الوقت ليرى العالم وقد انتقلت منظمته الدولية من مناخ احتكار القرار واحتواء كل ما يتعلق بشؤون هذا العالم.
ويتمنى كثيرون أن يكون صدور آخر قرار من مجلس الأمن امتحاناً لمصداقية أعضائه، من دائمين ومؤقتين، قبل أن تلفظ المنظمة الدولية أنفاسها تحت الجبروت، وغياب كل ومضة أمل في أن يتحقق للبشرية مرجعية دولية مشهود لها بالعدل والإنصاف والإصغاء إلى أنين الشعوب التي كانت، ولا تزال ترزح تحت كوابيس القهر والإذلال والاستيطان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"